للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوى ببلدِه عن أبي عليٍّ الحَسَن بن عبدِ الله ابن الخَرّاز وغيره، وقَدِمَ الأندَلُسَ طالبًا العِلمَ، فأخَذَ بالمَرِيّة عن أبي القاسم ابن وَرْد واختَصَّ به وأكثرَ عنهُ، ولقِيَ بأغماتِ وَريكةَ قاضيَها أبا محمدٍ سِبْطَ ابن عبدِ البَرّ فسَمع منه، وبمَرّاكُشَ أبا يوسُفَ حَجّاجَ بن يوسُفَ وتفَقَّه به.

رَوى عنه أبو الخَطّاب ابنُ الجُمَيِّل، وأبو عبد الله بن عليّ بن مَرْوانَ، وأبو عليّ الحَسَن بن حَجّاج، وكان أحدَ رجالِ الجلال فقيهًا حافظًا قائمًا على الفقه وأصُولِه، راسخَ القَدَم في فنونٍ من العلم حسَنَ التصرُّفِ فيها، خطيبًا مِصقَعًا، مُستبحِرًا في الأدب والذِّكْرِ للتواريخ، ذا حظّ صَالح من قَرْض الشِّعر، ومنهُ في مرضِه الذي توفِّي منه يُوصي به أكبرَ بَنِيه وسائرَهم، واشتَملتْ على حِكَمٍ وآداب [من الكامل]:

دع ذكْرَ دارِ مصيرُها أن تَخْرَبا ... واعمَلْ لدارِ مَقامةٍ لن تذهَبا

ما كنتُ أحسَبُ يا عليُّ (١) مَنيّتي ... تَقْضي عليّ مُغرَّبًا عن زَيْنبا

فارفُقْ بمَن سمّيتُها لك مُشفِقًا ... تُحرِزْ رضايَ [بكَفْل أُختِكَ زَينبا]

فلها بقلبي لوطةٌ ومكانةٌ ... تركَتْ فؤادي مُوقدًا متلهِّبا

جمَعتْ محبةَ كلِّ [مَن] ماتَتْ لنا ... فيها فصار البعضُ كُلًّا [فاعجَبا]

ومحمدًا فاشغَلْهُ بالعلم الذي ... هو نافعٌ عن أن يميلَ إلى [الصِّبا]

وارحَمْ غَرارةَ سنِّهِ وبقاءهُ ... لليُتْم محُتاجًا إلى أن يُطَّبا

لو مِتُّ قبلَ شعورِه بأُبوّتي ... مرَّت عليه مُصيبتي مرَّ الصَّبا

لكنّني عوَّدتُه ما أنْ رأى ... ما دونَهُ صار الصبيُّ مُعذَّبا


(١) هو أكبر أولاد المترجم، وقد تقدمت ترجمته في الرقم (٥)، وستأتي ترجمة ولده ميمون بن علي في الرقم (١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>