للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي عبد الرّحمن (١) يعقوبَ بن أبي حَفْص بن عبد المؤمن المدعوِّ بعَيْن الغزال أيامَ وَلِيَ مدينةَ فاسَ، ووَصَلَ صُحبتَه إلى مَرّاكُشَ.

وكان أبوه حَسَنٌ قَوّالًا يُغنِّي في المحافل والأسواق [مُتلبِّسًا] بذلك، والمتلبِّسُ بهذا العمَل يُعرَفُ في بلاد المغرِب بالمُحَلِّي، [عَرَفتُ بمَرّاكُشَ] شيخًا محليًا ذَكَرَ لي أنه من أصحابِه ومُقاوليه، ومن شعرِه على [طريقةِ أهل التصوُّف] [من البسيط]:

[هل يَطلُبُ] العشقُ قلبًا أنتَ مَطلَبُهُ ... أو يُذهِبُ الشّوقُ روحًا أنت مُذهِبُهُ

[ما إنْ دعاه] هوى خَلق ليَغلِبَهُ ... إلا وحبُّك يَدعوهُ فيغلِبُهُ

وكيف يرجو وِصالًا من تبعُّدِهِ ... أو كيف يَخشَى بِعادًا مَن تُقرِّبُهُ

وكيف يَخرَبُ ربعٌ أنت تَعمُرُهُ ... بل كيف يَعمُرُ مسكونٌ تُخرِّبُهُ

وقال أهل الهوى: شأنُ الهوى عجَبٌ ... فقلت: إنّ سُلوِّي عنك أعجَبُهُ

وكل حالُ الهوى صعبٌ مسالكُهُ ... على المُحبِّ، وسَمْعُ العَذْل أصعبُهُ

يا مَن أُناجيه، والأشواقُ تُوهمُني ... نَيْلَ الوِصَال، كأنّ الشوقَ يوجبُهُ

كم طيبةٍ لك بالألطافِ توجدُها ... عندَ اللقا، وفَنائي فيك أطيبُهُ

فارحَمْ تقلُّبَ قلبي فهْو شيمتُهُ ... حتى يكونَ بما تَرضى تقلُّبُهُ

رِفقًا به فهْو في حالَيْ مُناقضةٍ ... فالقبضُ يُحزنُهُ والبَسطُ يُطرِبُهُ

ومنّةُ الجُودِ تُدنيه فتؤنسُهُ ... وخَشيةُ الردِّ تُقصيهِ فتَحجُبُهُ

منايَ أنت وحَسْبي أن تكونَ مُنًى ... يا واهبًا رَغَباتي قبلَ أرغَبُهُ

كنْ كيف شئتَ فمالي عنك منصَرفٌ ... فالعبدُ ليس سوى مولاهُ مطلبُهُ (٢)


(١) ولي السيد أبو عبد الرحمن عددًا من الولايات منها أنه كان واليًا على مرسية، انظر البيان المغرب ١١٦ (قسم الموحدين).
(٢) وردت في مذكرات ابن الحاج النميري مع فروق يسيرة. وذكر أنه قالها في الحمام ارتجالًا، وهي من آخر ما قاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>