للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الانهماكِ في التّصابي، قرأتُ بخطِّ التاريخيِّ العدل أبي العبّاس بن عليّ بن هارونَ (١)، قال: حدّثني أبو القاسم ابنُ بَقِي (٢) رحمه اللهُ، قال: قال لي المنصورُ يومًا: صَحَّ عندي أنّ ابنَ مروانَ شرِبَ البارحةَ معَ نُدَمائه في المَحَجّة على الساقيةِ التي بمقرُبْة من دارِه، وذكَرَ لي أنّ خَوابيَ الشّراب في دارِه، فاذهَبْ إليها وانظُرْ ما فيها، فرغِبتُ إليه أن يُعفيَني من ذلك، فتغافَلَ عنه، وهَمّ حينَئذٍ بإقامة الحدّ عليه، وأجرى ذلك [في مجلسِه، وكان حاضرًا فيه أبو عبد الله] بنُ إبراهيمَ الأصوليُّ (٣)، وكان بينَه وبينَ ابن مَرْوان من [التدابُر ما] يكونُ بين متنافرَيْنِ، فقال له: يَا سيّدَنا لا تفعلوا، والأوْلى [أن تلتمسَ شُبهةً يُدرَأُ] بها عنه الحَدّ، ثم [لا] تَشيعُ هذه الأُحدوثةُ حتى تبلُغَ صاحبَ بغداد [ويقال: إنّ المنتسبَ] إلى أشرفِ خُطط الشريعة شاربُ خمر! فكَفّ المنصورُ عنه عندَ ذلك (٤)،


(١) راجع ترجمته في السفر الأول من هذا الكتاب (٤١٧).
(٢) يجدر التنبيه إلى ما كان بين ابن بقي وابن مروان من تنافر وتنافس على الخطبة، وكما ساق المؤلف هذه الحكاية فقد ساق مؤلف الغصون اليانعة حكايته أخرى "مما شنع عليه أعداؤه".
(٣) تقدمت ترجمته في هذا السفر برقم (٧٣).
(٤) وقع في كلام القاضي ابن إبراهيم محو واضطراب في الأصل، وقد اجتهدنا في ترميمه، وإذا كان المنصور كف عن إقامة الحد على القاضي ابن مروان عملًا بإشارة القاضي الأصولي، فقد أقام الحد على أحمد بن سعود العبدري القرطبي نزيل مراكش وأحد أعضاء مجلس المنصور العلمي، قال ابن عبد الملك في السفر الأول (٨٧١): "فلم يزل يحاضر طلبة العلم بمجلس المنصور الخاص بهم ويذاكرهم بين يديه مرعي الجانب ملحوظًا بعين التكرمة محترمًا لشاخته واضطلاعه بالمعارف إلى أن وجد منه يومًا بمجلس المنصور ريح مسكر فاستثبت أمره بالاستنكاه وتحقق فعند ذلك أمر المنصور بإقامة الحد عليه وبين يديه، ولما بلغ جالده أربعين أشار إليه أبو العباس بأن يكف وابتدر لباس ثيابه وقال للمنصور: أنا أحد عبدانكم ولا يجب علي سوى أربعين جلدة منتهى حد العبد، فقبل ذلك المنصور على علمه بما في طيه من التنكيت عليه، وإنما أشار بذلك أبو العباس إلى معتقد آل عبد المؤمن وطائفتهم قديمًا وحديثًا أن كل من خرج عن قبائلهم المعتقدة هداية مهديهم وعصمته فهم عبيد لهم أرقاء، فصرفه المنصور إلى منزله واستمر هجرانه إياه ومنعه حضور مجلسه".

<<  <  ج: ص:  >  >>