للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففَشَا فيه وتمَكن منه حتى كاد يعُمُّ جميعَ أعضائه نقعَه الله، وكان ملوكَ بني عبد المؤمن وأمراؤهم ورؤساءُ دولتِهم كثيرًا ما يَرغَبونَ منه في تفريق صَدَقاتِهم التّطوُّعيّةِ على مَن يراه من الفقراءِ والمَحاويج وأهلِ السَّتْر والصَّوْن؛ لعلمِهم بأنه مَغْشِيُّ الجَناب من طوائفِ الناس على اختلافِ طبقاتِهم فيتوَلَّى ذلك ويُباشره بنفسِه، ونفَعَ اللهُ على يديه بهذا العمل خَلْقًا كثيرًا، وأصحَبَه طائفة منهم في بعض رِحَلِه المشرِقيّة أموالًا جَسِيمة ليَدفعَها إلى مَن يراه أهلًا لها بالحرَمَيْن الشّريفَيْن من الِ البيتِ الكريم وغيرِهم، فذكَرَ أنه جلَسَ في المسجد الحرام مُعمِلًا فِكْرَه في توزيع ذلك المال وتعيين ما يُفرِّقُ منه وعلى من يُفرِّقُه، وكيف يكونُ عملُه المُخلِّصَ له من تَبِعتِه، فسمعَ نداءً من الحِجْر أُلقيَ في رُوْعِه أنه المقصودُ به: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص: ٣٩]، وذَكرً أول همَّ بدَفْع ذلك إلى من هنالك من أهل البيتِ وسأل عنهم فتَعرَّف أنهم أو مُعظمُهم أهلُ أهواءٍ وبِدَع وأحوالٍ لا تُرضَى، فعزَمَ على حِرمان من كان بهذه الصِّفات منهم، قال: فبينما أنا بين النائم واليَقْظان شمَمْتُ رائحةً طيِّبةً عطِرة وأعقَبَها ظهورُ امرأة، وقيل لي، أو وَجَدتُ في نفسي أنها فاطمةُ بنتُ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ورضيَ عنها قائلةً لي: يا أحمد، أنْفُك منك وإن كان أجدَع، فقلتُ لها: أتوبُ إلى الله عزَّ وجَلّ، أُعطيهم، فأعطَيْتُهم بإشارةٍ جَدّتِهم فاطمةَ رضوانُ الله عليها، وذَكَرَ أنه كان يَرى حين نُودي وقيل له وهُو بالحِجْر كما تقَدَّم: {هَذَا عَطَاؤُنَا} كأنّ كَفَّيْنِ خَشِنتَيْنِ جاسِيَتَيْنِ مجلتينِ مملوءتَيْنِ من غضبِ الله تعالى وكأنّهما تَهويانِ إلى اليمين فيقالُ لهما: نَكِّبا عن جميع الآفاق وأفرِغا فيما فيكُما على المغرب، فتفعَلانِ ما أُمِرَتا به. وذَكَرَ أنه وصَلَ إلى مَرّاكُشَ في بعضِ سياحاتِه فوافاها ليلًا وقد سُدَّت أبوابُها، فبات بالجَبّانة خارجَ بابِ الصالحة -أحد أبوابها الشمالية- قال: فرأيتُ كأنّ فارسًا قد نزَلَ من السماءِ رأسُه فيها وقدماهُ في الأرض، وكأن مَرّاكُشَ قد سَجَدت أسوارُها وبقِيَتْ بغير سُور، وكأنّ الفارسَ المشارَ إليه يدورُ بها وهُو يَصيحُ اللّيلَ كلَّه: الدَّمارَ الدّمار! الخرابَ الخراب. وشبيهٌ بهذا ما

<<  <  ج: ص:  >  >>