للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكَرَه أبو القاسم بنُ عِمْران ونَقلْتُه من خطِّه قال: أُنشِدتُ في المنام عام ستة وعشرين بمَرّاكُشَ في رؤيا اختَصَرتُها [وافر]:

أيا عجَبًا من الدّهرِ المُليمِ ... تقَضَّت دولةُ الملِكِ الكريمِ

وهبَّت زَعزَعٌ نكباءُ فيها ... وهُدَّ جوانبُ الطَّودِ العظيمِ

وذاكرتُ شيخَنا أبا الحَسَن الرُّعَيْنيَّ رحمه اللهُ بكثيرٍ مما يؤثَرُ عن أبي العبّاس هذا من مثل هذه الحكايات، وسألتُه: هل رأى منه شيئًا؟ فقال: كان أمرُه من كُبَرِ الأعاجيب، كنتُ يومًا بينَ يدَيْه لِما كنتُ أقصِدُه فيه، فأشار إليّ بالتّنَحّي قليلًا إلى إحدى جهتَي اليمين والشِّمال، فامتثَلْتُ ما أشار به، فإذا هو شاخصٌ ببَصَرِه مُقبِلٌ على ما قابَلَه لا يَصرِفُ طَرفَه عمّا يُواجهُه، ومكَثَ كذلك ساعةً، ثم أقبَلَ عليَّ عائدًا إلى ما كنّا (١) فيه، فسألتُه عن سببِ ما جرى فقال: تراءَتْ لي الكعبةُ المُكرَّمة وتمثَّلتْ إليّ عِيَانًا، فاغتنمتُ النظرَ إليها تجديدًا للعهد بمشاهدتِها، فهذا سببُ ما رأيت؛ فكان شيخُنا أبو الحَسَن عندَ ذكْرِه هذه الحكايةَ يُعظِمُ إنكارَها على الشيخ أبي العبّاسِ ويقول: كأنّ كثافةَ ظُلمتي تَحجُبُ عنه مشاهدةَ الكعبة المُعظَّمة ولا يَحجُبُها عنه ما حال بينَه وبينَها من البحارِ والجبال على طُول المسافة التي بينَهما، وربّما تجاوَزَ بهذا القولِ إلى تزييفِ أقوالِه وتضعيفِ ما يُحكَى عنه منها.

ومن غرائب حديثه: ما حدَّثني به شيخُنا أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ رحمه اللهُ قال (٢): حدَّثني الشّيخُ أبو العبّاس القنَجايريُّ، قال: كنتُ يومًا ببيتِ المقدِس، فرأيتُ شيخًا قد انحنَى ظهرُه قدِ استَنَدَ إلى ساريةٍ من سَواري الصّخرة، فدنَوْتُ منه وقلت: كيف اسمُ السيِّد؟ فقال: ذيال، فقلتُ: يا سيدي، كم أتَى عليكَ من العمُر؟ فقال لي: ولمَ سؤالُك؟ قلتُ له: على معنى التبرُّكِ بك، فقال: ربّما أتَى


(١) في الأصل: ساكنَا.
(٢) انظر حكاية شبيهة بهذه يرويها المؤلف عن شيخه الرعيني في السفر السادس.

<<  <  ج: ص:  >  >>