للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليّ مئة وثلاثون سنة أو نيّفتَ عليها، قلتُ: أفلا يُفيدُني سيِّدي بفائدة؟ فقال لي: نعم، كنتُ وأنا ابنُ ستِّ سنينَ إلى السبع بالموصِل، فرأيتُ يومًا أميرَها قد خرَجَ ومعَه وجوهُ الفقهاء وأعيانُ الموصِل، فسألتُ عن ذلك فقيل: خَرَجوا ليَرَوْا صاحبَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا كبرتُ وصِرتُ ابنَ ثلاثينَ سنةً أو نحوِها أخذتُ أسألُ عمّن كان في صُحبةِ الأميرِ إذ خرَجَ إلى الموصِل، فدُلِلتُ على أحدِ مَن حضَرَ معَه من الفقهاء لم يبقَ غيرُه، فقصَدتُ إليه فسألتُه أن يُخبرَني عن ذلك، فقال لي: نعم، خرَجَ الأميرُ ونحن في صُحبتِه، فمشَيْنا عن الموصِل أيامًا حتّى أشرَفْنا على حيٍّ من أحياءِ العرب فتَلقّانا منه شيخٌ فقال له الأمير: جئنا لنَرى صاحبَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ونتبرَّكَ به، فقال له الشّيخ: أنا حفيدُه وكلُّ مَن في هذا الحيِّ من وَلَده ووَلَدِ وَلَدِه. فأراد الشّيخُ أن يُبادرَ إلى قِرى الأميرِ من نَحْر إبِل أو نحوِ ذلك، فمنَعَه الأميرُ من ذلك وقال: ما الغَرَضُ إلا في التبرُّكِ بالصاحبِ خاصّة، فعمَدَ بهم إلى بيتٍ في الحيِّ وإذا زَبِيلٌ (١) مُعلَّقٌ من قائمةِ البيتِ فأخَذَ في حطِّ الزَّبِيلِ برِفْق حتى استقَرَّ بالأرض ثُم عمَدَ إلى الشّيخ ففتَحَ عنه قُطنًا كان عليه، وإذا به كالشّنِّ البالي، فأقبَلَ عليه يُناديه: يابه يابه يابه، فأجابَه بصوتٍ ضعيف، فقال له: هذا أميرُ الموصِل ووجوهُ الموضع أتوْا للتبرُّكِ بك ولأنْ يَنظُروا إلى عينٍ نَظَرتْ إلى رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففتَحَ الشّيخُ عينيه، فأقبَلَ الأميرُ عليهما يُقبِّلُهما ومَن حضَر، ثم قال له الأمير: لعلّك تحدِّثُنا بحديثٍ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: نعم، سِرتُ أنا وعمِّي إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو في بعضِ غَزَواتِه راكبٌ على راحلتِه وبيدِه سَوْط، فأشار به فجاء في رأسي، فقال لي: أوجَعَك السَّوْطُ؟ فقلتُ: لا يا رسُولَ الله، فقال عمِّي: يا رسُولَ الله، ادعُ الله له، فقال لي: مَدَّ اللهُ عمُرَك مدًّا بالمَدّ؛ يا بُنيّ، إذا نَزَلَتْ بك كريهةٌ أو وقَعتَ في مُعضِلة فعليك بالقلاقل الأربعة: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}.


(١) الزبيل مثال كريم: المكتل، والزنبيل مثال قنديل لغة فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>