للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإرادةُ السائقةُ السابقةُ إخراجَ العبدِ المذكورِ من عَدَم الغفلةِ إلى ظهورِ الإلهام ووجُودِه، فسَّلَطَ رَعْدَ الخَوْف على سحائبِ سمائي فكشَفَها وجلاها، وحَلَّ بساحةِ أرضِها سُكْرُ السُّلوِّ فسَكِرَ بها عن سواه وجَلّاها، وقلَّد أجيادَ فِكْرِه بقلائدِ حَمْدِهِ وشُكرِه وحَلّاها، وسَلَّ من سُوَيْداءِ قلبِه محبّةَ غيرِه فنزَّهَها عنه وسَلّاها، فلاحَ إصباحُ النجاح، وآذَنَ ليلُ الغفلةِ بالصَّباح، ونادى منادي الوَصْلة بمنارِ العُزلة: حيَّ على الفلاح، وصاحَ كالئُ صبح النُّجح بالسَّفَر المُعرِّسينَ: شُدُّوا المَطِيَّ فقد سال نهرُ النهار، ومال جُرفُ اللّيلِ وانهار، وانفَجَرَ عَمُودُ الفجر بنُورِه الوَضّاح، فلاح، فأفاق العبدُ المذكورُ من نوم الرُّكون إلى السكونِ والكرى، وشَمَّر للسَّيرِ ذيولَه، وضمَّر للسَّبْقِ خيولَه، إذ سَمِع: عندَ الصباح يَحمَدُ القومُ السُّرى.

ثم كتَبَ العبدُ المذكورُ عَقْدًا، وعَهِدَ معَ المولى الجليل عهدًا، وهُو على خوفٍ ووَجَل، من المولى عَزَّ وجَلّ، يسألُه إدراكَ ما أمَّلَه، والوصولَ إلى ما أَمَّ له، ويتبرَّأُ من حولِه وقوّتِه إليه، ويتوكَّلُ في جميع أمورِه عليه، ويقفُ بقَدَم النَّدم بين يدَيْه، معترفًا بما كان له مُقترفًا، وراجيًا أن يكونَ من بحرِ الإحسان لدُرَرِ الامتنان مغترفًا، والعَقْدُ المذكور:

هذا ما اشتَرى المَوْلى اللّطيفُ الجَليل، من العبدِ الضَّعيفِ الذَّليل، المَيْمونِ بن عليّ، اشتَرى منه في صَفْقةٍ واحدة دونَ استبقاءٍ ولا تبعيض، ولا استثناءٍ بتصريح ولا تعريض، جميعَ المنزِل المعروفِ بمنزلِ القلبِ والفؤاد، الذي مِن سُكّانِه المحبَّةُ والإخلاصُ والوِداد، حَدُّه من القِبلة قَبُولُ الأوامرِ المطاعة، ومن الشّرقِ لزومُ السَّمع والطاعة، ومن الجَوْفِ الإقبالُ على ما عليه أهلُ السُّنّةِ والجماعة، ومن الغَرْب دوامُ المُراقبة في كلِّ وقتٍ وساعة، بكلِّ ما يَخُصُّ هذا المَبِيعَ المذكورَ وَيعُمُّه، وينثهي إليه كلُّ حدٍّ من حدودِه ويضُمُّه، من داخِل الحقوق وخارجِها، ومداخِلِ المنافع ومخَارجِها، وبكلِّ ما لهُ من الآلاتِ التابعة لهُ في التصريف، والحواسِّ الجاريةِ معَه في حالتَي الإضاعةِ والتشريف، السالكةِ مَسْلكَهُ في التنكيرِ والتعريف، من يدَيْنِ ورِجْلَيْن، ولسانٍ وشَفَتْين، وعَيْنيْنِ وأُذُنيْن،

<<  <  ج: ص:  >  >>