للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أمَرَ المولى الجَليلُ هذا العبدَ بخدمةِ هذا المنزِل المذكور خِدمةَ التقرُّبِ إليه، وجعَلَ له التصرُّفَ فيه لقَبُول أمرِه للفَوْزِ بما لدَيْه، وبهذا المنزلِ المذكور بَساتينُ تسَمَّى بساتينَ الإخلاص، وجنّاتٌ تُعرَفُ بجنّاتِ حضْرةِ القلبِ المعروف بمحلِّ الاستخلاص.

التَزَمَ العبدُ المذكورُ تسهيلَ أرضِها من شَوْكِ الشِّركِ والارتياب، وتذليلَها من حَجَرِ العُجبِ والاضطراب، في حالتَي الحضورِ والغياب، وتنقيتَها من أعشاب الحسَدِ والحِقد والكِبْر، وزَوالَ ما فيها من عوارضِ الغِشِّ والخَديعةِ والمَكر، وأن يَقطعَ منها كلَّ عُودٍ لا منفعةَ فيه بحديدِ الفِكْر، مثلَ عُودِ الحِرص والطَّمَع، وَيغرِسَ مكانَه شجرَ الزُّهد والوَرَع، ويقلِّمَ أغصانَ المَيْل إلى الأدرانِ والأقذار، وأفنانِ الركونِ إلى الأغيار والأكدار، وقُضبانِ السُّكونِ إلى الشّهَواتِ والأوطار، ويفتحَ أبوابَ البَذْلِ والإيثار، بمفاتيح الجُودِ الحميدِ المساعي والآثار، ويُطلقَ ينابيعَ التوكُّل على مُصرِّفِ الأقدار، وأن يَخدُم ما توعَّر من سواقي مياهِها الإخلاصيّة وحِيَاضِها، ويُمشيَ بالمَصْلحة المُصلحة لدوحتِها وغِيَاضِها، وَيفجُرَ بها مياهَ الصّفاءِ من الأكدار، المتّصلةَ بساقيةِ الوفاءِ في الإيرادِ والإصدار، والمُلاصقةَ بساقيةِ تَرْك الجَفافِ في هذه الدار، حتى يبدوَ إن شاء اللهُ صَلاحُها، ويَكثُرَ ببركةِ الله إصلاحُها، وتهُبَّ بقَبُولِ القَبُول أرواحُها، وتُثمرَ بجَنْي المُنى أدواحُها، فتُنبتَ قَرَنْفُلَ التنفُّل، وعودَ التبتُّل، وآسَ الأُنس والسَّوسان، وياسَمينَ اليأسِ من كلِّ إنسان، ونُعمانَ النِّعمة التي لا يَصِفُها لسان.

وقد عَلِمَ العبدُ المذكور أنّ بخارج هذا المنزلِ المذكور حَرَسَ اللهُ إيمانَه، وأدام أمانَه، جيشًا نَفْسِيًّا يُغيرُ عليه في مسائه وصَباحِه، وَينتهزُ فيه الفرصةَ في غُدوِّه ورواحِه، ويقطَعُ جادّةَ السبيل، بالمرور عليها بلا مسافةٍ إلى حضرةِ الملِك الجليل، وملِكُ هذا الجيشِ المذكور النفْسُ الكثيرةُ الأغراض، الميّالةُ إلى ما يَعرِضُ من الأعراض، المعتكفةُ على المآرب المُهلِكة والأعراض، وخادمُ الملِك المذكور الشَهوةُ الموقوفةُ على خدمتِه، المَعدودةُ في أعلى حُرمتِه، ووزيرُه المُفاخَرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>