وزِمامُه المُنافسةُ في زَهرةِ الدنيا وحاجبُهُ المُكاثَرة، وقيِّم جيشِه المقدَّم، وفارسُهُ الأقدم، شجاعُ الغَضَب، الذي عندَه يتولَّد الهلاكُ وبه يكونُ العَطَب. فطلَبَ العبدُ المذكورُ من مولاهُ الإمدادَ بعساكرِ العَزْم، وفوارس الحَزْم، ورَغِبَ في الإعانة بكتائبِ السَّدادِ والتوفيق، ومواكبِ الرُّشدِ والتحقيق، وإرسالَ جُيوش الاصطبار، وفوارسَ الانتصار، والتدرُّعَ بدروعِ الأذكار، وجَوَلانَ خَيْلِ السّعادة في ميادينِ الاختيار، والعَوْنَ بإعلام العِلم، والسكونِ في حِصْن الحِلم، حتى يُذهِبَ حِدّةَ النفْس ويُزيلَ كيْدَها، ويُميتَها في المجاهدة، بسيوفِ المجالدة، وَيقطعَ قوّتَها وأيْدَها، أو يمُدَّ يدَ التسليم بقَهْرِها واضطرارِها، ويَنطِقَ بلسانِ اعترافِها وإقرارِها، أنها أَسقطَت جُملةَ دَعْواها واختيارها، ودخَلَت تحتَ امتثالِ الأوامرِ الربّانيّة مسلّمةً لأقدارِها، والعبدُ يرغَبَ [إلى] مَوْلاه رغبةَ خاشع، ويسألُه سؤالَ فقيرٍ إلى رحمتِه خاضع، في تجميل جُودِه وكمالِه، وتحسينِ وَجْهِ علمِه وعَمَلِه بالإخلاص وجَمالِه، وبُلوغِه في الدّارَيْن غايةَ آمالِه، ويستغفرُ استغفارَ آمل بحُسن الرجاءِ عاملٍ ومعامَل، أنه إن لحِقَتْه العنايةُ الربّانيّة ودخَلَ من بابِ اللطيفِ في حَرَم كرم الإلهيّة، قَهَرَ الظهورُ لذلك نفْسَه، وأظهَرَ الحضورُ أُنسَه، حتى تتطهّرَ النفْسُ المذكورةُ من الأخلاق العَرَضيّة، وتتَرقَّى عن الأغيارِ الأرضيّة، وتظهَرَ عليها الشمائلُ الحميدةُ والأخلاقُ الرَّضِيّة، وتنادي: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: ٢٧ - ٢٨].
شَهِدَ على إشهادِ البائع المذكور مَن أشهَدَه به على نفسِه عارفًا بقَدْرِه، في صحّتِه وطَوْعِه وجوازِ أمرِه. وصَلّى اللهُ على سيّدِنا محمد وعلى آلِه وسلَّم تسليمًا.
وقَطَعَ مُددًا من عمُرِه في الارتسام بامتداح ملوكِ عصرِه، فكان يأتي في ذلك بما لم يُسمَعْ ذكْرُه ولا يُطمَعْ في لَحاقِه، سُرعةَ ارتجال، وحُسنَ افتنان، وبراعةَ إنشاء، له في ذلك أخبارٌ طريفة. ووَليَ بأخَرةٍ حِسبةَ السُّوق (١) في مَرّاكُش،
(١) من الشعراء الذين أسندت إليهم حسبة الطعام أو ما يشبهها: يحيى الغزال وعزوز الملزوزي في المغرب وابن حجاج في المشرق.