الوضوء، فلمّا بَعُدْنا من الطريق حال الأسَدُ بينَنا وبينَ القرية، فقيل لأبي يعزَى: إنّ الأسَد حالَ بينَ ضِيفانِك والقرِية، فأخَذَ أبو يعزَى عَصَاهُ في يدِه وجاء إلى الأسد يَضرِبُه بها إلى أن فَرّ، فجئنا، فأخَذَ يأكُلُ عيونَ الدُّفْلَى، فقال بلسانِه وكان لا يُحسنُ العربيّة لمَن ترجَمَ لي عنه: قُلْ لأبي الحُسَين: ما تقولونَ معشَرَ الفقهاءِ فيمن يأكُلُ هذه؟ -يعني عيونَ الدُّفْلى- فقلتُ له: قُلْ له عنِّي: إنّ الفقهاءَ يقولون: مَن أكَلَ هذا فإنه يَطرُدُ الأسَد، فأخبَرَه التُّرْجُمانُ بقولي فرأيتُه يتبسَّم.
قال أبو يعقوبَ ابنُ الزّيّات (١): وحدَّثني محمدُ بن إبراهيمِ بن محمد الأنصاريُّ، قال: سمِعتُ أبا مَدْيَنَ يقول: سمِعتُ الناسَ يتحدّثون بكراماتِ أبي يعزَى، فذهبتُ إليه في جماعةٍ توجَّهَت لزيارته، فلمّا وصَلْنا جَبَلَ إيروقان ودخَلْنا على أبي يعزَى أقبَلَ على القوم دوني، فلمّا أُحضِرَ الطعام منَعوني الأكل، فقعدتُ في رُكن الدار، فكلّما أُحضِر الطعامُ وقمتُ إليه انتَهرَني، فأقمتُ على ذلك ثلاثةَ أيام، حتى أجهَدَني الجوعُ ونالَني الذُّلّ، فلمّا انقَضَت ثلاثةُ أيام قام أبو يعزَى من مكانِه فأتَيْتُ إلى ذلك المكان ومرَّغتُ وجهي فيه، فلمّا رفَعتُ رأسي نظرتُ، فلم أرَ شيئًا وصِرتُ أعمى، فبقيتُ أبكي طُولَ ليلتي، فلمّا أصبحتُ استدعاني وقال لي: اقرُبْ [يا أندَلُسيّ] , فدَنوتُ منه، فمَسَحَ بيدِه على عيني فأبصَرتُ، ثم مَسَحَ بيدِه على صدري وقال للحاضِرين: هذا يكونُ له شأنٌ عظيم، أو كلامًا هذا معناه، فأذِنَ لي في الانصراف وقال لي: ستَلقَى في طريقِك أسدًا فلا [يَروعُك، فإنْ غَلَبَ عليك خَوفُه] قُلْ له: بحُرمةِ يللنور إلا ما انصَرفتَ عنّي، [وسيَلقاك ثلاثةٌ من] اللّصُوص عند شجرة وستَعِظُهم فيتوبُ اثنانِ منهم [على يدِك ويرجِعُ الثالث] ثم يُقتَلُ ويُصلَبُ على تلك الشجرة، فوادَعْتُه وانصَرفْتُ، [فاعتَرضَني أسدٌ] في الطريق فأقسَمتُ عليه بأبي يعزَى، فتنحَّى عن الطريق، [وجُزتُ وما] زال يتبَعُني إلى أن خرَجتُ من الشّعراء، فرجَعَ عنّي، ثم أتَيْتُ على ثلاثةٍ [من اللّصُوصِ] وهم قعودٌ إلى أصل شجرة، فقاموا إليّ