فيه -ولعله كان فَصْلَ الحاجة إلى النار مثلَ فَصْل الشتاء أو الربيع- فلقُوا من ذلك شدّةً وضيقًا، ثم جاءهم بعدَ أُمّة فقال لهم: عجَبًا لكم! تفارقونَ أوطانَكم وأهليكم وتخرُجونَ إلى الله فيما تزعُمون برَسْم زيارةِ شخص أحسنتُم به الظّنَّ ثم تَقَعونَ فيه ولم يكنْ فيكم مَن غَيَّر ذلك وأنكَرَه وقام بحقِّ الله فيه إلا هذا الغُلَيِّم؟ لقد كان مقامُكم في ديارِكم وبينَ أهليكم أقربَ إلى سلامتِكم وأقضَى لحاجتِكم، ثم صَفَحَ عنهم وأوصى الجميعَ بخير.
قال الشّيخ أبو العبّاس: وحدَّثني عنه الطالبُ الصيِّنُ ابنُ أُختِه أنه سَمِعَه يقول: كنتُ عند الشّيخ الصالح أبي يعزَى مرّةً معَ الحاجِّ الصالح أبي محمد بن عاصم، وكان إذا أُدخِلْنا بيتَه عليه أجلَسَني والحاجَّ على سريرِه وأخَذ في إطعام من حَضَر من الوفودِ والزُّوّار، فقلتُ للحاجّ: هذا الطعامُ غليظ ونحن لا نحتملُه! فقال لي: فما الذي يَصلُح؟ فقال أو قلت: رُغَيِّفاتُ قمح بسَمن وعَسَل، ثم حَضَرَ الطعام، وحَلَّق الحاضرونَ حِلَقًا فأرَدْنا النّزولَ لنتحَلَّق معَ الناس ونُشاركَهم فيما أكلوه، فأشار إلينا أنْ مكانكم، ثم أتانا برغائف در [مكٍ وسَمنٍ وعَسَل، وقال] لنا: كُلوا ما اشتَهيتُم.
قال: وحدَّثنا عنه أيضًا، قال:[خَرَجتُ معَ] ابن عاصم المذكور، فوقَعَتْ عينُنا على أُرْخةٍ (١) تامّة الخَلْق [حسَنة] الوَصْف، فقال لي الحاجّ: هذه الأُرخةُ كان يَصلُحُ أن تكونَ [عندَنا بسَبْتةَ لنشربَ] لبنَها، فلمّا أردنا الانصرافَ قال: لتأخُذوا هذه الأُرْخة واحمِلوها [معَكم] لتشربوا لبنَها هنالك كما قلتُم.
وحدّثني القاضي أبو محمدٍ حَسَنُ بن عليّ ابن القَطّان عن التأريخيِّ العَدْل أبي يعقوبَ ابن الزَّيّات، قال: حدثنا أبو عبد الله ابنُ خالص الأنصاريُّ قال: سمِعتُ الشّيخ أبا الحُسَين يحيى بنَ محمد الأنصاريَّ المعروفَ بابن الصائغ يقول: زرت أبا يعزَى، فلما كان وقتُ غروبِ الشمس خَرجْتُ معَ جماعةٍ لإسباغ