للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسِعايةٍ لحِقَتْه عندَه فارقَه لها مختارًا وخَرَجَ عنه وجَالَ في الأندَلُس ولقِيَ ملوكَها فكلٌّ منهم أولاهُ بِرًّا وإحسانًا إلى أن لحِقَ بغَرْناطةَ وقصَدَ إلى أبي المُعَلَّى هذا فأحسَنَ الإقبالَ عليه وبالَغَ في الاحتفاءِ به والإحسان إليه وأقام في كنَفِه مُدّةً إلى أن اتّهم باديسُ بنُ حَبُّوس بن ماكْسِن ابنَ عمِّه أبا المُعَلَّى هذا القيامَ عليه وخَلْعَه إياه عن سُلطانِه، ولم يزَلْ هذا يتقرَّرُ عندَ باديسَ، ودَسَّ إليه أنّ لأبي الفُتوح في ذلك مشاركةً وإعانة، فغَمَسَ أبا الفُتوح في تُهمةِ ابن عمِّه وأخافه أشدَّ من إخافتِه، فلم يسَعْهُما إلّا الفِرارُ من غَرْناطة، فلحِقَ بإشبيلِيَةَ، وكان ممّن فَرَّ معَهما أبو ريش أحدُ أبناء عمِّ باديسَ، فاستقَرّوا جميعًا عندَ القاضي أبي القاسم محمد بن عَبّاد بإشبيلِيَةَ، ثم إنّ أبا ريش نَدِمَ على فِرارِه فطَرَحَ نفسَه على باديسَ فصَفَحَ عنه ولم يُعاقِبْه.

وكان أبو الفُتوح قد ترَكَ بغَرناطةَ زوجًا له أندَلُسيّة جميلةً جدًّا، [وكان لها من نفْسِه موقعٌ] عظيم، وكان له منها ولدانِ ذكرٌ وأُنثى، فاشتَدَّ شَوْقُه [إليهم حين اضْطُرَّ إلى الابتعادِ] عنهم، وبَلَغَه أنّ باديسَ قد قَبَضَ عليهم وسَجَنَهم بالمُنكَّب [عند قَدّاح عبدِه] وصاحبِ عذابِه، فعمِلَ على العَوْدِ إلى باديسَ من غير توثقٍ [بأمان] أو مُراسلة طمعًا في صفحِه عنه صَفْحَهُ عن ابن عمِّه أبي ريش، فخاب ظنُّه، ففَصَلَ عن [صاحبِه] قاصدًا غَرْناطةَ فصادف باديسَ في عسكرِه وهو مُقبِلٌ من الوقعة [التي كانت بينَه] وبينَ إسماعيلَ بن محمد بن عَبّاد وقَتْلِه إياه في محرّم إحدى وثلاثينَ [وأربع مئة، وأُدخِلَ] على باديس، فقال له ابتداءً: بأيِّ وَجهٍ جئتَني يا نَمّام؟ ما أجرَأكَ على خالقك [وأشدَّ] اغترارَك بسِحرِك، فرَّقتَ بينَ بني ماكْسِن ثم جئتَ تخدَعُني كأنك لم تصنَعْ [شيئًا]؟ فلاطَفَه وقال له: اتّقِ اللهَ فيّ يا سيّدي وارحَمْ غُربتي وسُوءَ مقامي ولا تُلزِمْني ذنْبَ ابن عمِّك فما لي سببٌ فيه ولا حَمَلَني علىٍ الفِرار معَه إلّا الخوف، وها أنا قد لفظَتْني البلادُ عليكَ مُقِرًّا بما لم أجْنِه رغبةً في صَفْحِك عنّي، فافعَلْ فعْلَ الملوك الذين يَجِلُّونَ عن الحِقد على مثلي من الصّعاليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>