للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: أفعلُ ما تستحقُّه إن شاء الله! انطلِقْ إلى غَرْناطة فضُمَّ حالَك والْقَ أهلَك وأصلِحْ من شأنِهم، فاطمأنّ إلى قولِه وخرَجَ نحوَ غَرْناطةَ وقد سَبَقَ الكتابُ إلى قَدّاح بحبسِه، وأُرسِلَ معَه فارسانِ وُكّلا بهِ من حيثُ لا يَشعُر استظهارًا عليه في مرورِه؛ لئلا يبدوَ له فيُنكِّبَ عن وجهتِه، فتعرَّضا له وقد خَرَجَ عن العسكر وقالا له: إنا نَصحَبُك في طريقِك، فأنِسَ بهما ولم يعلَمْ بشأنِهما، فسارا معه، فلمّا قَرُبوا من غَرْناطة إذا قومٌ ينتظرونَ أبا الفُتوح بجانبِ الطريق من زَبَانِيَة قَدّاح فعَدَلوا به وقَبَضوا عليه فحَلَقوا رأسَه وأركَبُوه على بعيرٍ وخلفَه أسودُ ضَخْم يُوالي صفْعَه، فأُدخِلَ غَرْناطةَ مُشهَّرًا بهذه الصّفة وعلى هذه الحال وقد برَزَ الخَلْقُ معَ قَدّاح للنظر إليه، وكان برهونٌ العُدْويُّ أمينُ البلد ممّن توَلَّى شأنَه، فاستغاث به من قوة الصَّفْع في مقامِه ذلك فكَلَّم له قَدّاحًا في التخفيفِ عنه، فأشار إلى الأسود بذلك، ولولا ذلك لأُتيَ عليه مِن شدّةِ قوّةِ الصَّفع، ثُم أُلقيَ في حَبْسِ ضيّق بعدَ شَهْرِه ومعَه رجلٌ من أصحابِ يَديرَ أُسِرَ في الوقعة بين باديسَ وإسماعيلَ بن عَبّاد، فأقام في الحبسِ إلى أن قَدِمَ باديسُ من إستِجةَ واستراح أيامًا بغَرْناطةَ وهو يَذكُرُ الجُرجانيَّ ويَعضُّ [أناملَه، فيُعارِضُه في أمرِه شقيقُه بلقينُ بن حَبُوس ويكذِّبُ الظنَّ به [ويقول: سأكونُ] أولَ من يشفَعُ إليه، والله لا يَصِلُ باديسُ إلى أذاه ما حَيِيت، [فارتبَكَ باديسُ] في أمرِه أيامًا ثم غافَصَ أخاه في قتلِه في وقتٍ أمِنَ فيه [معارضتَه، وأقبَلَ عليه] يسُبُّه ويَلعَنُه ويُبكِّتُه بذنوبِه ويُعلنُ الشّماتَ به ويقولُ له: [لم تُغنِ عنك نجومُك] يا كَذّاب، ألم تكنْ تَعِدُ أميرَك الفاعل -يعني ابنَ عمِّه يَيْدير- أنه سوف [يظفَرُ بي ويملِكُ] بلدي ثلاثينَ سنةً، لمَ لم تُدقِّق النظرَ لنفسِك وتحذَرْ سُوءَ ورطتِك؟ [قد أباح اللهُ] لي دَمَك، فأيقَنَ أبو الفُتوح بالموت وأطْرق ينظُرُ للأرض لا يُكلِّمُه [ولا ينظرُ] إليه، فزاد ذلك في غَيْظِ باديس، فوَثَبَ من مجلسِه والسّيفُ في يدِه، فخَبَطَ [به أبا] الفُتُوح حتى بَرَدَ فحَزَّ رأسَه، ثم قُدِّم الصُّنهاجيُّ الذي كان محبوسًا معه إلى السّيف فاشتَدَّ جَزعُه وجعَلَ يعتذرُ من خطيئتِه ويُلحُّ في ضَراعتِه فقال له باديس: أما

<<  <  ج: ص:  >  >>