للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تستحصي يا ابنَ الفاعلة؟ يصبِرُ المعلِّمُ الضّعيفُ القلب على الموت مثلَ هذا الصَّبر ويملِكُ نفسَه عن مكالمتي واستعطافي، وأنت تجزَعُ مثلَ هذا الجَزَع وطالما عدَدتَ نفْسَك في أشدِّ الرجال! لا أقال اللهُ مُقيلَك! اضرِبْ يا غلامُ عنُقَه، فضُربَتْ عنُقُه وانفَضَّ المجلس.

قال ابنُ برهون: وأحضَرَني باديسُ فأمَرَني بمُواراةِ الجُرجانيِّ إلى جانبِ أبي جعفر بن عبّاس كاتبِ زُهير ووزيرِه الذي قتَلَه باديسُ إثْرَ وقيعتِه معَ زُهيرٍ الصَّقْلَبيّ.

قال المصنّفُ عَفَا اللهُ عنه: قد تقَدَّم ذكْرُ مقتلِ أحمد بن عبَاسٍ هذا في رَسْمِه (١).

قال ابنُ برهون: ففعلتُ ما أمَرَني به باديسُ، فقبراهما في تلك البُقعة قد أسرّا أدبًا لا كِفاءَ له، وهذه البقعةُ بمقرُبةٍ من قبرِ حَبُوس بن ماكْسِن والدِ باديس.

قال: وكَلَّم الصُّنهاجيُّونَ باديسَ بنَ حَبُوس في جثّةِ صاحبِهم المقتول معَ أبي الفُتوح فأمَرَ بإسلامِها إليهم فخَرجوا بها على نَعْش إلى المقبُرة من فَوْرِهم فأصابوا قبرًا قد احتُفِر لميّت من أهل البلد فاغتَصَبوا فيه صاحبَه وصَبُّوا صاحبَهم فيه، فوارَوْه التّرابَ من غير غُسْل ولا كَفَن، وانطَلقوا لسبيلِهم، وعجِبَ الناسُ من جُرأةِ هؤلاء الصُّنْهاجيِّين وتَسامحُهم في الاغتصابِ حتى الموتى في قبورِهم.

قال (٢): وهَبَّ بُلقينُ بن حَبُوس منَ انهماكِه في شُربه، فأُعلِم بقتل أبي الفُتوح الجُرجانيّ، وقد كان أجاره على أخيه باديسَ فغضِبَ لذلك أشدَّ الغضَبِ واستَوحَشَ من [أخيه، فلّما عَلِمَ بذلك] رَكِبَ إليه باديسُ واستَلْطفَهُ واسترضاهُ وأسعَفَه [بتسريح زوجةِ أبي الفُتوح] وابنِها وابنتِها منه المعتقلِينَ في المُنَكَّب كما مَرَّ ذكْرُه، [والسماح لها] ببعض ما سَلِمَ لها من مال زوجِها، على


(١) انظر السفر الأول رقم (٣٥٦).
(٢) من هنا إلى آخر الترجمة غير موجود فيما نقله ابن الخطيب من كلام ابن حيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>