بما حضَرَه في مضمَّنِه ثم خَتَم الخَوْضَ فيه بأنْ قال: هذا من صَفاءِ باطن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وشفِّ جوهرِه، في كلام نحوِ هذا، فنُسِبَ إليه القولُ باكتساب النُّبوّات، وجَرَتْ في ذلك طائفة من ثالِبيه والطاعنينَ عليه وتألَّبوا وكتَبوا رَسْمَيْن: استَرْعَوا في أحدِهما شهادةَ الشهود بمقالتِه تلك، واستَدْعَوا في الآخَر فتاوى أهلِ العلم في قائل تلك المقالة، وأطالوا في ذلك وأعرَضوا، ونَسَبَه معظَمُ الفُروعيِّينَ إلى البدعة، وكفَّره آخَرون منهم، وأجمَعَ المتألِّبونَ عليه أنه لا يتمُّ لهم الغَرَضُ من هذا العمل إلا بفُتْيا أبي الحَجّاج المُكَلّاتيِّ هذا، وقالوا: هو لا شكَّ عدوُّه المُناصِبُ له، وسيغتنمُ هذه الواقعةَ للظفرِ به والنَّيْل منه، فتوجَّهوا بالرَّسمَيْنِ إليه [سائلينَ حُكمَ الله فيه] واثقينَ منه بأنه يوجبُ قتلَه أو معاقبتَه العقوبةَ الشديدة، [فلمّا نَظَرَ فيهما] لم يتوقَّفْ عن تمزيقِهما وإعدامِهما البتّة وأنْحى على الساعينَ [في ذلك بأشدِّ اللّوم، وبالَغَ في] توبيخِهم وتقريعِهم، ونال منهم أقبحَ مَنال، ثم قال لهم: يا سيِّئي النظر [وقليلي العقل، تعمَدون] إلى أجلِّ شيوخِكم وأشهرِ علمائكم وقد عَلِمتُم صِيتَه في الآفاق بأنه [وقَفَ حياتَه] واشتُهر طولَ عمُرِه في خدمة السُّنة وعلوم الشريعة حتى صار من أئمتِها [والسابقينَ] في ميدانِ المعرفة بها، وخَوْضُه أبدًا إنّما هو معَ جِلّة حَمَلتِها وعُظماءِ نقَلتِها [من عهدِ الصّحابة] رضوانُ الله عليهم إلى عصرِنا هذا، وتتعرَّضونَ إليه بمثل هذا السّعي القبيح؟! فما [الذي] تفعلونَ غدًا أو بعدَ غَدٍ معي أو معَ أمثالي ممّن لا يَعمُرُ مجالسَه أبدًا إلا بالنظر معَ القَدْريّة والخوارج والشِّيعة والرافضة والمعتزِلة والكَرّاميّة والإباضيّة والإماميّة والإبراهيميّة (١) وغيرِهم من الفلاسفة وأهل الأهواءِ والبِدَع الحائدينَ عن مذاهبِ أهل السُّنة ولا [يَشتغلُ إلا] في ضَرْب بعضِ أقوالِهم ببعض؟! اذهبوا خيَّبَ اللهُ سَعْيَكم وأراحَ الإسلامَ والمسلمينَ منكم. فانقَلَبوا خائبينَ وأكبَروا ذلك من فعلِه وعَظُمَ تعجُّبُهم منه، وعَمَرَ الناسُ بهذه الأُحدوثة الحَسَنة