للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تُطبَعُ به كُتُبٌ إلّا بحضرتِه فأمَرَ ذاتَ يوم بكُتُب واستَعْجَلَ كُتّابَه الثلاثةَ فيها وانصَرفَ إلى منزلِه، فلمّا فرَغوا من كَتْبِها أرادوا إعلامَه بذلك ليَحضُرَ على خَتْمِها جَرْيًا على عادتِه، فأرادوا مطالعتَه في ذلك بكَتْبِ بطاقةٍ نثرًا، فقال لهم أبو عبد الله الإسْتِجيُّ: إنه لَيَقبُحُ بنا أن نكونَ أدباءَ شُعراءَ معَ أنّ مخدومَنا يَستحسِنُ الشّعرَ ويهتزُّ لسماعِه (١) ونُخاطبَه في مثل هذا بالنثر، قال: فقلنا له: أنت كبيرُنا ومقَدَّمُنا فابدَأْ لنا ما نتّبِعُك عليه ونَحْذو حَذْوَكَ فيه، فقال [من الكامل]:

نُسِجَتْ بُرودُ الكُتْبِ وِفْقَ مُرادِكمْ ... فأتَتْ مفَوَّفةً بخطٍّ بارعِ

وكتبَه في بطاقةٍ ودفَعَها إلى أبي عليّ، فزاد عليه بخطِّه [من الكامل]:

وجَمالُها طُرُزٌ لكي تزهى بهِ ... وطِرازُها يا ذا العُلى بالطابَعِ

ودفَعَ إليّ البطاقةَ فزِدتُ عليهما وكتبتُه بخطِّي [من الكامل]:

فالخَتْمُ للمكتوبِ تكرِمةٌ لهُ ... وكذا رَويناهُ عنَ اكرمِ شافعِ (٢)

[فلمّا وَجّهناها معَ من] أوصَلَها إليه خرَجَ إلينا مستبشِرًا مبتسمًا [والدّواةُ التي] فيها الطابَعُ محمولةٌ بينَ يدَيْه فدفَعَه إلينا فطبَعْنا [به الكُتُبَ وأُعيدَ إلى] موضعِه على جاري العادة.

وحضَرَ لإيرادِ هذه الحكاية [بعضُ مَن] يغشَى مجلسَ أبي عليّ أو يتردَّدُ إليه وله حَظّ من الأدب وقَرْض [الشّعر، ومنهم]: قريبُه (٣) أبو عبد الله ابنُ المُعزّ (٤)،


(١) في أعلام مالقة: "وكان مع ذلك مقصودًا من البلاد يرد الناس عليه من كل قطر، وينشده الشعراء فيحسن إليهم ويرفدهم، وكان عطاؤه جزلاً وهاطله ضخمًا".
(٢) إشارة إلى الأثر: "كرامة الكتاب ختمه". انظر العقد ٤/ ١٥٩، والتراتيب الإدارية ١/ ١٧٧، ومحاضرات الراغب ١/ ١٠٥.
(٣) كلمة أصابها المحو في الأصل، ويمكن أن تكون أيضًا: ونسيبه.
(٤) هكذا في الأصل، وفي قصيدة ابن الجنان كما سيأتي أنه أبو محمد عبد الله ابن المعز.

<<  <  ج: ص:  >  >>