للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلامُ الكريم الأحفَلُ الأسنى يخُصُّ المجدَ الأتلد، والكمالَ الأوحد ورحمةُ الله وبَركاتُه.

ولمّا وقَفْتُ عليها لم أرَ فيها كبيرَ مُستحسَن، بل رأيتُها [نازلةً عمّا عُهِدَ] من إحسانِه، ومُنحطّةً عمّا أتَى به غيرُه، وعجِبتُ من إفراطِ أبي عليّ في استجادتِها على براعة نَقْدِه وجَوْدةِ تمييزِه، ثم هَجَسَ في خاطري [أنّ ذلك] لم يكنْ منه إلا لِما أتبَعَ به أبو الحَسَن تذييلَه من الأبياتِ الثلاثة في مَدْحِه، وقلتُ: أراه حاملَه على استحسانِ ما أتَى به أبو الحَسَن، فصَنَعْتُ تلك الليلةَ قصيدةً في مَدْحِه وأشرتُ إلى أنّ تذييلَ الأبيات كان عن إشارته، وزدتُ في التذييل أبياتًا، ولقِيتُه بها بعدَ العَصْر منَ الغدِ لمّا لم يتَأتَّ لقاؤه بها صَدْرَ النهار لخروجِه إلى بعضِ المواضع، ولمّا جئتُ بها بعدَ العصرِ ألفَيْتُ أبا محمد المَرّاكُشيَّ قد جاء بهذينِ البيتَيْن

[من الكامل]:

وولوعُ همّتِكمْ بشِرعةِ أحمدٍ ... أجلى وأبهرُ من هلالٍ طالعِ

فابعَثْ بطابَعِك السّعيدِ لتقتفي ... سَنَنَ الهدايةِ كفُّ هذا الطابعِ

فخَلوتُ بالمَرّاكُشيِّ وقلتُ له: هذه مَكِيدةٌ، فقال لي: هو -والله- كما حدَسْتَ، فإنه لم يَخْفَ عليَّ كونُ الأبياتِ من المديد (١)، ولكنّي لم أتهَدَّ إلى ما يَصلُحُ ذَيْلًا لها، فصنَعْتُ ذلك حتى أسمَعَ ما أتى به غيري فأحْذُوَ حَذْوَه، وتربَّصتُ بأبي عليٍّ (٢) خَلْوَته بدخولِه إلى مجلسِه الخاصّ من مجلسِه العامّ، ودفعتُ إليه القصيدةَ، فلمّا رآها قال لي: لمَن هذه؟ فقلت: قفْ عليها، فقال لي: هذا خطُّك فمَن ناظمُها؟ قلت: كاتبُها، فاشتَدَّ تعجُّبُه من فعلي أولًا وإتْياني بها ثانيًا حتى كان من كلامِه أنّ هذه البلادَ وَلّادةٌ مُنْجِبة. وهذه القصيدةُ التي رفعتُ له

[من الكامل]:


(١) هكذا في الأصل، وهي من الكامل.
(٢) في الأصل: فأبى عليَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>