للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صِزنا في منزلِه أخرَجَ إلينا أنواعًا من الأطعمة احتَفلَ فيها، فلمّا وُضِعت بينَ يدَي الشيخ أعظَمَ ذلك وقال للرجُل: هلّا أعلمتَني بهذا كلِّه حتى لا آخُذَ ما جَرَت لي به العادةُ من مقدارِ الغذاء، وتشَكَّى له بمعِدَتِه حتى صار الرجلُ إلى الاعتذار وكأنه أذنَبَ ذنبًا، إذْ لم يُعلِفه بذلك، فأكَلْنا الطعامَ ولا والله ما ذاق الشّيخُ منه لُقمةً واحدة، فعَظُم -والله- في نفْسي وازدَتُ به غبطة.

وكان كثيرَ الاحتمال ممّن جَفَاه أو سَبَّه لا يرفَعُ بذلك رأسًا ولا يتغيَّرُ لمُعاديه، بل يَتودَّدُ إليه ويُظهِرُ بِرَّه وإكرامَه، وسَنُلمُّ بذكْرِ نُبذةٍ من أخبار سَلَفِه وآثارِهم في رَسْم خليلٍ أبيه إن شاء الله (١).

ومن نَظْم أبي العبّاس هذا في ترتيبِ العلوم ما أنشَدَ عنه ابنُه أبو الخَطّاب [الكامل]:

إنَّ العلوم لجَمَّة وأجلُّها ... علمُ القُرَانِ وسُنَّةِ المختارِ

فاخفَظْ كتابَ الله واحوِ علومَهُ ... فإذا انتهيتَ فمِلْ إلى الآثارِ

واعرِفْ صحيحَ روايةٍ وسَقيمَها ... وتحَرَّ هديَ السادةِ الأبرارِ

وعلى الإمام الأصْبَحيِّ (٢) فعوِّلَنْ ... فَهُوَ العليمُ بموقع الأخبارِ

ولتَحْوِ من علم الكلام جوامعًا ... تَهديكَ يومَ (٣) تحيُّرِ النُّظّارِ

واقف الإمامَ الأشعريَّ تسِرْ على ... غرَّاءَ واضحةِ الصُّوى للساري

والنّحوُ من شرطِ العلوم فإنه ... لِغوامضِ الأقوال كالمِسْبارِ

مولدُه بِلَبْلةَ، وقد تقَدَّم الخلاف في تعيين ميقاتِه فراجِعْه، وتوفّي بها في رجبِ إحدى وثمانينَ وخمس مئة.


(١) السفر الذي يحيل عليه المؤلف مفقود، وترجمة المذكور في التكملة (٨٥٧).
(٢) هو الإمام مالك بن أنس الأصبحي نسبة إلى ذي أصبح.
(٣) في الأصل: "يومًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>