وأبو عبد الله ابن خَلْفُون، وأبو عليٍّ عُمرُ بن محمد ابن الشَّلَوبِين، وأبو القاسم المَلّاحيُّ، وأبوا محمد: ابنُ أحمدَ بن جُمهور، وعبد الجليل بن عُمَيْر.
وكان زاهدًا وَرِعًا شديدَ الانقباض عن مداخَلة الناس، صادِعًا بالحقِّ في مصالح المسلمينَ والأمورِ الدِّينية عندَ الأُمراء والسّلاطين، مقبُوضَ اليدِ عن قَبول صِلاتِهم مِقدامًا عليهم وَجّادًا للكلام في مجالسِهم لا تأخُذُه في الله لَوْمةُ لائم، جاريًا على منهاج سَلَفِه في الدِّين والفضل والزُّهد والنَّزاهةِ والعلم والعمل به، يُسِرُّ من الخير والزُّهد أكثرَ مما يُظهِر، عارفًا بالقراءاتِ ووجوهِها، عالمًا بالحديثِ وطُرُقِه وصحيحِه من سَقيمِه، متقدِّمًا في ذلك كلِّه، مؤيَّدًا عليه بقوّة الحِفظ وتوقّد المخاطر، ذاكرًا للفروع، مُشاوَرًا بصيرًا بالفتوى، دَرِبًا فيها، آخِذا من أُصولِ الفقه وعلم الكلام بأوفرِ حَظّ، خطيبًا بليغًا، شاعرًا مُحسِنًا، أديبًا بارعًا، مفوَّهًا يَخطُبُ ويُنشِدُ بديهًا من غير رَوِيّة، وخَطَبَ بِلَبْلةَ واستُقضيَ بها.
قال أبو الحُسَين محمدُ بن محمد بن زَرْقُون: قلتُ للحافظِ أبي بكر ابن الجَدّ: إنك تكتُب إليه، يعني أبا العبّاس هذا، فتصِفُه بالمُشاوَر، وهي تَحْلِية ربّما كرِهها أهلُ الأمر وحَذَّروا من استعمالهِا، فالأوْلى ترْكُها احتياطًا عليكما، فقال لي: بيتُه بيتُ الشُّورى على القديم، فلا أرى أن أنقُصَ أحدًا منهم ما يَستحِقُّه ولا سيّما هذا، فإنه أهلٌ لها ولأكثرَ منها ويكونُ بعدُ ما أراد الله.
وقال ابنُه أبو الخَطّاب: ذكَرَني الحافظُ أبو بكر ابنُ الجَدّ بعدَ وفاة والدي بمدّة وسأل عنّي، فجلستُ إليه، فدَعا في وترَحَّمَ على الوالد والجَدّ، وأذكُرُ من كلامِه في ترحُّمِه ذلك: ورَحمَ اللهُ تلك العِظامَ العِظام.
وقال أبو بكر بنُ تميم: نزَلتُ معَه مرّةً في حِصن القَصر، فعلِمَ بنا أحدُ العمال من أصحابِ الفقيه، فصنَعَ له طعامًا واستَدْعانا للمَبِيت عندَه، قال أبو بكر: فقلتُ في نفْسي: اليومَ أعرِفُ وَرَعَ الشّيخ في أكل طعام هذا الرجُل، فلمّا