للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: فكتَبَ (١) كَتَب اللهُ للمقام العالي الكريم تأييدًا يملِكُ أمرَ الوَرى، وسُعودًا تعلو فوقَ الذُّرى، وتنزلُ إلى ما تحتَ الثَّرى، من قابِس وبركةِ الإمارةِ العزيزة أيَّدَها اللهُ تخرُقُ المعتادَ خَرْقًا، وتَجوبُ البلادَ غَرْبًا وشرقًا، وتُبَشِّرُ باغيَ الورود، بالعَذْبِ البرود، وما رأى عارِضًا ولا شامَ بارقًا، وإنّما هي هدايةٌ ألقِيَتْ في جَنانِها، وآيةٌ استأخَرتْ إلى زمانِها، وهمّةٌ انبطت بعدَ طول الإكداء، وسُقِيت قبلَ قَلْب الرِّداء، وأشعرَتْ ونِتاجُها حيث أجهِضَت الحَوامل، وعلاجُها قد عَجَزت عنهُ الأوائل، بأنّ أمرَها يعلو كلَّ أمر، ويومًا منها كليلةِ القَدْر خيرٌ من ألفِ شهر.

ومنها: والحمدُ لله الذي أحيا بها البلدَ (٢) الميِّت، وألهمَها قولَه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال: ١٧]، تفويضًا لمن قَدَّر الأحوالَ طَوْرًا وطَوْرًا، ودَرَّجَ النباتَ ورَقًا ونَوْرًا، وقال لخَلْقِه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} [الملك: ٣٠]. وقد أتى به سبحانَه بعزيمةٍ صَدَقَ حاملُها، ونيّةٍ رضيَ عَملَ عاملِها، وعن رَوّية أنشرَتْه بعدَما أقبرَتْه، وكأنّما خيَّرتْه وما أجبَرتْه، وبمُرادِها الذي (٣) خَبّأتْه أخبرَتْه، فأصاخ بالأُذُنِ الواعية، وجاء بحِكمة الأنشاء في ظُلمة الأحشاء، حتى أفضَى متواريهِ إلى الإفشاء، وأغنى جاريهِ عن الدَّلوِ والرِّشاء، فكأنَّ المسجدَ الجامعَ قدِ استَسْقَى لقومِه، واقتضى حقَّ أمسِه ليومِه، ورأى أنّ ما يوعبه (٤) بسبب الخَلْق، من سيل (٥) الوَدْق، ربما نَضَبت ثميلتُه، وكذَبَت مخيلتُه، فشَفَعَ للظِّماء، في مَعينِ الماء، واستغاثَ يدَ الجُود، للركوع والسجود، ولجأَ في إسباغ الطَّهور، لسابغ الكرَم المشهور، فلم يلبَثْ أنْ سمعَ النّداءَ: لَبيْك، وهذه


(١) في رفع الحجب: "كتب العبد".
(٢) في رفع الحجب: "هذا البلد".
(٣) في الأصل: "التي"، خطأ.
(٤) في الأصل: "يوعيه"، ولا معنى لها.
(٥) في الأصل: "سبل"، وهو تصحيف، وما هنا من رفع الحجب.

<<  <  ج: ص:  >  >>