للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنّما أطلتُ في ذكْرِ هذا الشّيخ وأكثَرتُ من المراد آثارِه ولا سيّما ما جلَبْتُه من أشعارِه، لأنّ طائفةً من أهل طبقتِه كانت تستقصرُ منظومَه وتدفَعُه عن الإجادة فيه، وهو كما رأيتَ وسمعتَ بلاغةً وبَراعة، وإن كان ينزِلُ عن نثرِه. وكان يذكُر أنه رأى في مَنامِه النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فناوَلَه أقلامًا، وكان يَرى ويُرى له أنّ تأويلَ تلك الرؤيا ما أدرَكَ من التبريز في الكتابة وشِيَاع الذِّكْر بها، واللهُ أعلم.

وقد كان شيخُنا أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ يصِفُه بالتقدُّم في الكتابة على أهل زمانِه، وكان يمَسُّه بشيءٍ في اعتقادِه اللهُ أعلم به.

ووَرَدَ مَرّاكُشَ صُحبةَ رِكابِ الرَّشيد أبي محمدٍ عبد الواحِد من سَلا، واستَكتبَه بمَرّاكُشَ مدّةً يسيرة ثم صَرَفَه عن الكتابة وقَلَّده قضاءَ بلدِ هيلانةَ من نظَرِ مَرّاكُشَ الشّرقي (١) فتولاهُ قليلًا، ثم نقَلَه إلى قضاءِ رِباط الفَتْح وسَلا، وسيأتي ذكْرُ الإشارة إلى ذلك في جواب أبي عبد الله ابن الجَنّان إيّاه عن رسالةٍ كتَبَ بها إليه إن شاء الله (٢). وأقام يتَولّاه إلى أن توفِّي الرّشيدُ ووَليَ مكانَه أخوه المُعتضِدُ بالله أبو الحَسَن عليٌّ فأقرَّه عليهما مدّةً ثم نقَلَه إلى قضاء مِكْنَاسةِ الزّيتون، وكان قد بَلَغَه أنّ المعتضِدَ قَدَّمَ على مِكْناسةَ أبا حَفْص عُمرَ ابنَ الأمير أبي إبراهيمَ بن أبي يعقوبَ بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي، وهو الوالي مكانَ المعتضِد بعد وفاتِه، المتلقِّبُ بالمُرتضَى، فأعَدَّ له أبياتَ تهنئة بتلك الولاية، ثم اقتضَى نظرُ المُعتضِد توليةَ أبي حَفْص المذكور مدينتَيْ (٣) سَلا؛ فبَعَثَ بها إليه، وهي عشَرةُ أبيات لم يَعْلَقْ منها بحِفظ مُمْليها عليّ إلا هذه الأبياتُ السبعة، وهي [المتقارب]:


(١) ذهب الفقيه عباس بن إبراهيم في كتابه الإعلام ١/ ١٢١ إلى أن بلدة هيلانة المذكورة هي التي تعرف اليوم بكلاوة.
(٢) الموضع الذي يحيل عليه المؤلف يقع في سفر مفقود.
(٣) كذا في الأصلين بالتثنية، ولعله يريد سلا والرباط.

<<  <  ج: ص:  >  >>