للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توحَّدتَ في الفضلِ من غيرِ ثانِ ... فما لكَ عنه من الخَلْقِ ثانِ

ولاسمِك يا عُمرَ الجودِ ما ... لرَوْح الجَنانِ ورُوح الجِنانِ

فإنْ يمنَعِ العدلُ من صَرْفِهِ ... فعدلُك يمنَعُ صرفَ الزمانِ

على اليُمن متّصلًا بالأمانِ ... وبِشْرِ التهادي ببُشْرى التهاني

قدومٌ قد استَشْعَرتْ عندَهُ ... نفوسُ الأنام نفيسَ الأمانِ

أبرَّت خِصالُك يومَ الفَخَارِ ... وكان لك الخَصْلُ يومَ الرِّهانِ

فمُلِّئتَ عزًّا حصينَ المِجَنِّ ... وهُنِّئتَ عيشًا خصيبَ المجاني

وكان شديدَ التطارُح على خدمة الرُّؤساء كثيرَ الحِرص والرَّغبة في ضمِّ حُطام الدُّنيا متَظاهِرًا بالإقلال، فقد وقَفْتُ له بخطِّه على قصيدةٍ رفَعَها للأمير أبي حفصِ (١) المذكور حين وَليَ سَلا مهنَّئًا بولايتِه إياها، وقدَّم عليها نثرًا وأخَّرَ عنها مِثلَه منه عقِبَ إيراد القصيدة: هذه أيَّدَ اللهُ المَوْلى بنتُ فِكرٍ بَكِيّ، وخاطرٍ فُطِرَ على عَيّ، ثم لم تزَلْ به الأيامُ حتى أبدَتْ صَبابتَه (٢)، واستَشْفت صُبابتَه (٣)، وتركَتْهُ نظمًا شَتِيتًا، وذا عُسرةٍ لا يملِكُ بيتًا. ومنه: وقد ألمَعْتُ في البطاقة الواردة معَ هذه الخِدمة بما أرغَبُ أن يُعيرَه المَوْلى طرْفَه، ويَثْني نحوَه عِطْفَه وعَطْفَه، وما يُشرِّفُ به عبدَه من تفضُّل بجوابِه، واستخدام في بابِه، فنظَرُه إليه سام، ودهرُه منه في جَذَلٍ وابتسام.

فهذه إشارةٌ إلى ما كان يتظاهرُ به من رِقّة الحال والاستجداء.

ثم لّما قُتل المعتضِدُ كما تقَدَّم الإخبارُ عنه اغتَنَم أبو المُطرِّف تلك الفترةَ وفَصلَ من مِكْنَاسةَ قاصدًا سَبْتةَ، فلقِيَ الرُّفقةَ التي كان فيها جَمْع من بني مَرِين سَلَبوه وكلَّ من كان معَه، فذَكَرَ لي الشيخ أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ، رحمه اللهُ أنه كتَبَ


(١) في الأصل: "أبي العباس"، وهو سهو.
(٢) الصبابة: الرقة والشوق.
(٣) الصُّبابة: البقية القليلة من الماء ونحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>