للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه يُعلِمُه بهذه الحادثة عليه وأنّ المنهوبَ له من مالِه يعدِلُ أربعةَ آلاف دينار عَشْريّة وكان وَرِقًا وعَيْنًا وحُلِيًّا، فأين هذا مما تضمَّنه الفصلُ الذي خاطَبَ به الأميرَ أبا حفص (١) المذكورُ حسبما قَصَصْناه؟!

ثم رَكِبَ البحرَ من سَبْتةَ متوجِّهًا إلى بلاد إفريقيّةَ، وهذه الرحلة هي التي وَصَفَ في الخِدمة التي قَدِمَ بها على الأمير أبي يحيى زكريّا وهو والي بِجَايةَ ابن الأمير أبي زكريّا فأبدَعَ في إجادتها ما شاء (٢). ولم يزَلْ مُذْ فارق جزيرةَ الأندَلُس معمورَ الخاطر بالتخلُّص إلى بلاد إفريقيّةَ. وقد كان كتَبَ وهُو بسَبْتةَ حين وصُولِه إليها من مِكْناسَةَ قبلَ قدومِه علىٍ تونُس، مقدِّمًا بين يدَيْ ما أمَّلَه من القدوم على الأمير أبي زكريّا، رسالةً بديعةً خدَمَ بها الأميرَ أبا زكريّا ودفَعَها إلى الوزير أبي علي الحَسَن بن خلاص (٣)، فأُلفِيَتْ في متاعِه الذي خَلَصَ إلى تونُس، وهي مُشتملةٌ على نَظْم ونثر في الغاية من براعة الإنشاء (٤). وكان حَسَنَ الخَلْق والخُلُق جميلَ السَّعي للناس في أغراضِهم حَسَنَ المشاركة لهم في حوائجِهم متسرِّعًا إلى بَذْل مجهودِه فيما أمكَنَ من قضائها بنفسِه وجاهِه، تصحَبُه غفلةٌ، ولمّا قَدِم تونُسَ مال إلى صُحبة الصالحينَ بها والزُّهّاد بُرهةً ثم نَزعَ عن ذلك رغبةً في خدمة الملوك، فاستُقضيَ بالأربس: من بلاد إفريقيّةَ، ثم نُقل منها إلى قابِسَ أكثرَ مقامِه بإفريقيّة، ثم استَدْناه المُستنصِرُ بالله وأحضَره مجالسَ أُنسِه، فيَذكُرُ أنه داخَلَه مُداخلةً أنكرَها المُستنصِر وحاشيتُه عليه، حتى لَيُؤثَرُ من كلام المستنصِر في حقِّه وقد سُئل عنه: ذلك رجلٌ رام إفساد دُنيانا علينا فأفسَدْنا عليه دِينَه، وكانوا يرَوْنَ أنّ تشبُّعَه بتلك العلوم القديمة التي كان يتعاطى منها ما لا يُحسِنُ أخَلَّ به في معتقَدِه وقاده إلى فساد دِخْلة، واللهُ أعلم بسريرتِه.


(١) في الأصل: "أبا العباس"، وهو سهو.
(٢) هي في مجموع رسائله ٢٩ وما بعدها (مخطوط) وانظر كتاب الدكتور محمد بن شريفة: أبو المطرف ١٤٥.
(٣) يراجع: أبو المطرف ٧١.
(٤) انظر المصدر نفسه ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>