للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذكورَ و"تنزيهَ القرآن عن ما لا يليقُ بالبيان" (١). وقد ناقَضَه في هذا التأليف أبو الحَسَن بن محمد بن خَرُوف (٢) ورَدَّ عليه بكتابٍ سماه: "تنزيهَ أئمّة النَّحو عن ما نُسِبَ إليهم من الخطإ والسَّهْو"، وكان بارعًا في فنِّ التصريف من العربيّة، كاتبًا بليغًا، شاعرًا مجُيدًا متحقِّقًا في معقول ومنقول، غيرَ أنه أُصيبَ بفَقْدِ أصول أسمِعتِه عند استيلاءِ الروم -دمَّرَهم اللهُ- على المَرِية [. . . .] (٣). وكان طيِّب النفْس، كريمَ الأخلاق، حَسنَ اللقاء، جميلَ العِشْرة لم يَنْطوِ قطُّ على إحْنةٍ لمسلم، عفيفَ اللِّسان صادقَ اللَّهجة، نزيهَ الهمّة كاملَ المروءة.

وأدركه عندَ استحكام شَبيبَته بَغْيُ أحدِ حسَدَتِه من بني عَصْره وأهل مِصرِه اضْطَرّه إلى التحوُّل عن وطنِه قُرْطُبة والاضطراب في الأرض حتى لحِقَ بجبل تين مَلَل (٤) أحدِ الجبال الشامخة الغربيّة من مَرّاكُش، فاستَقرَّ به مدرِّسًا العلمَ ناشرًا ما لديه من المعارف، وذلك في عَشْرِ الأربعينَ وخمس مئة -ودولةُ عبد المؤمن وطائفتِه حينَئذٍ في إقبالها ورَوْنقِها وجِدَتِها- فأخَذَ عنه هناك أهلُ ذلك الموضع وغيرُهم، وأقرَأَ أبناءَ عبد المؤمن مدّةً وانتُفعَ به حتى اشتُهر وعُلِم قَدْرُه وفضلُه وعُرِفَ منصبُه وعَظُم صيتُه، وتَعرَّفَ مكانَه من العلم وجَلالتَه


(١) لم يذكر المترجمون الأقدمون لابن مضاء ومنهم المؤلف -الذي تعتبر ترجمته هنا لابن مضاء أوسع ترجمة له- كتابًا لابن مضاء زائدًا على كتابيه: "المشرق"، و"تنزيه القرآن"، ومن هنا يذهب الدكتور محمد بن شريفة إلى أن الكتاب الذي حققه الدكتور شوقي ضيف ونشره بعنوان: "الرد على النحويين" ليس إلا كتاب "المشرق" كما قد يدل على ذلك وصف ابن الأبّار وابن عبد الملك له، وقد تكون عبارة صاحب جذوة الاقتباس أكثر دلالة على هذا وهي قوله: "وألّف كتاب المشرق في النحو والرد على النحويين في جزء متوسط" وواضح أن قوله: "والرد على النحويين" عطف على قوله: "في النحو"، ويبدو أن هذه العبارة التي نقلها ابن القاضي من صلة الصلة لابن الزبير هي التي نقلها السيوطي من ابن الزبير نفسه وتصرف فيها فقال: "صنف المشرق في النحو، الرد على النحويين، تنزيه القرآن عما لا يليق بالبيان".
(٢) انظر ترجمة ابن خزوف النحوي الملقب بالدريدنه في السفر الخامس من هذا الكتاب (الترجمة ٦٣٥).
(٣) بياض في النسختين، ولعل المؤلف أراد أن يذكر السنة التي استولى فيها الروم على المرية.
(٤) كذا في النسختين، وترسم أيضًا "تنمل" انظر الاستبصار (٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>