للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبرٌ تضمَّنَ أعظُمًا تعظيمُها ... عنه يصحُّ الدِّينُ والإِسلامُ

وَرَدَتْ بها نفسُ المَشُوقِ مَناهلًا ... كلُّ المناهلِ بعدَهنَّ حرامُ

وشعرُه في هذه المَناحي كثير، وكلُّه سلِسُ المَقادة دالٌّ على جَوْدة الطّبع.

وُلدَ بالمَرِيّة كما تقَدَّم في أحَدِ شهرَيْ ربيع سنةَ اثنتينِ وتسعينَ وأربع مئة، وتوفِّي بمَرّاكُشَ بين صَلاتي الظّهر والعصر من يوم الأحد لثمانٍ خَلَوْنَ من جُمادى الأُولى سنةَ تسع وستّينَ وخمس مئة، ودُفن يومَ الاثنينِ بعدَه عقِبَ صلاةِ الظهر، وصَلّى عليه القاضي أبو يوسُف حَجّاجُ بن يوسُف، وكانت جَنازتُه عظيمةَ الحَفْل كثيرةَ الجَمْع برَزَ لها الرِّجالُ والنساء ورَفَعوا نعْشَه على الأيدي رحمه الله، وبَلَغَ نبأُ وفاتِه جارَه وصديقَه أبا بكر بنَ طُفَيْلٍ وهُو بإشبيلِيَةَ صُحبةَ رِكابِ أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن، فكتَبَ إلى ابنيه يُعزِّيهما به وبعَثَ معَ الكتاب (١) قصيدةً رثاهُ بها وهي [الوافر]:

لأمرٍ ما تغيَّرتِ الدّهورُ ... وأظلمتِ الكواكبُ والبدورُ

وطال على نجِيِّ الهمِّ ليلٌ ... كأنّ النَّجمَ فيه لا يَغورُ

لِنبأةِ صارخ وطروقِ خطْبٍ ... تكادُ له الجوانحُ تستطيرُ

مجُيري بل كبيري كان أوْدى ... وما يبقَى الصّغيرُ ولا الكبيرُ (٢)

فبانَ لوَجْدِه أسَفٌ وحُزنٌ ... وبان لفَقْدِه كرَمٌ وخِيرُ

وضَنَّ الدهرُ أن يأتيْ بمثلٍ ... لهُ والدهرُ وَلّادٌ حَصُورُ

وأنّى للزّمانِ به سَماحٌ ... وأُمّ الدهرِ مِقلاةٌ نَزورُ

أبا العبّاس جادَتْك الغَوادي ... ولاقَتْك الكرامةُ والحُبورُ

لقد فقَدَ الأيامَى واليَتامى ... مكانَك والمحافلُ والصدورُ


(١) في م: "الكتب".
(٢) هذا البيت سقط من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>