للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان معَ تقدُّمِه وتبريزِه في المعارِف بَكيءَ اللِّسان قصيرَ باع الكلام لا يكادُ يؤلِّفُ بين كلمتَيْن لفَرْط حياءٍ كان قد غَلَبَ عليه حتى مَلَكَه، فإذا خَلا بنفسِه لإنشاءٍ أو تصنيف، أو فاوَضَ مَن عادتُه التبسُّطُ معَه والتأنُّسُ به، تفَجَّرت منه بُحورُ علم لا يُكدِّرُها الدِّلاء.

وله تصانيفُ مفيدةٌ تدُلُّ على إدراكِه وجَوْدةِ تحصيلِه وإشرافِه على فنونٍ من المعارِف، كشَرْحِه "الشِّهاب" فإنه أبدَعَ فيه ما شاء. ومن شعرِه في الطريقة الزُّهديّة التي لا يَنفُذُ فيها من الشِّعر إلا من قَوِيَتْ عارضتُه وتوفَّرت مادّتُه وعُلِمت في الإجادةِ رُتبتُه: قولُه [الطويل]:

إلهي لك المُلكُ العظيمُ حقيقةً ... وما للورى مهما منَعتَ نَقيرُ

تجافَى بنو الدُّنيا مكاني فسَرَّني ... وما قَدْرُ مخلوق جَدَاهُ حقيرُ

وقالوا: فقيرٌ، وهْو عندي جلالةٌ ... نعَمْ صَدَقوا إنّي إليكَ فقيرُ

وقولُه [الكامل]:

أَرْضِ العدوَّ بظاهرٍ مُتصنَّع ... إن كنتَ مَضْطَرًّا إلى إرضائهِ (١)

كم مِن فتًى أَلقَى بثغرٍ (٢) باسمٍ ... وجَوانحي تنقَدُّ من بَغْضائهِ (٣)

وقولُه في وَداع القبرِ المكرَّم قبرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -[الكامل]:

حسبُ المحبِّ من الحبيب سلامُ ... يُقْفَى به يومَ الوداع ذِمامُ

رُحنا ورَوْعُ البَيْن يُخرِسُ نُطقَنا ... ومن الدُّموع إشارةٌ وكلامُ

يا أرضَ يثربَ لا عَداكِ غَمامُ ... أنتِ المُنى لو تُسعِفُ الأيامُ

للقلبِ في تلك العِراصِ عَرامةٌ (٤) ... مضمونُها كَلَفٌ بها وغرامُ


(١) في تحفة القادم ونفح الطيب: "استرضائه".
(٢) في تحفة القادم ونفح الطيب: "بوجه".
(٣) البيتان في تحفة القادم (٤٩) ونفح الطيب ٤/ ٣١٩ (ط. إحسان).
(٤) في م: "غرامه".

<<  <  ج: ص:  >  >>