فمنهم: العَبْدَريُّ محمد بن محمد بن سُعود الحِيحي صاحبُ الرحلة المعروفة، ذكَرَه ابن عبد الملك في الآخِذين عن بعض الشيوخ الذين ترجم بهم، وعدّه من أصحابه، ويبدو أنه جَمَعت بينَهما بعضُ حلقات الدّرس في مَرّاكش، ولا سيّما حلقةُ شيخِهما قاضي الجماعة بمَرّاكُش أبي عبد الله محمد بن عليّ بن يحيى المدعو بالشريف، ونُقدِّر أن يكونَ ابن عبد الملك ذكَرَ صاحبه عَرَضًا في أحد الأسفار المفقودة بما يفيدُ في تصوير صلتِه به. وقد وجَدْناه يَذكُر عَرَضًا زيارته حاحةَ، ولكننا لا نعرف مناسبتَها وهل لها علاقةٌ بصاحبه.
ونتساءل: هل كتَبَ ترجمته في "الذّيل والتكملة" أم لا؟ فهو من حيث دخولُه الأندلس على شرط الكتاب، ولكننا لا نجدها في مظِنّتها مع المحمّدينَ في النسخة التي وصلت إلينا من سِفر الغُرباء، ويبدو من تتابُع الأسماء أنه لا سقط فيها، وكذلك الشأنُ في ترجمة ابن رُشَيْد السَّبْتي، وقد نفسِّر هذا بأنّ ابن عبد الملك لا يترجم لمن هم -من حيث السنُّ- في منزلة أقرانِه أو دونَهم.
رأينا فيما تقدَّم آنفًا حديثَ العَبْدَريّ عن ابن عبد الملك وتوشيحَه صاحبه بالنّعوت الآتية:"صاحبنا الفقيه الأديب الأوحد"، ووَصْفَه كتابَه بالإتقان والإفادة، ومن يعرِفْ طبيعة العَبْدَري الصارمةَ واقتصادَه في ألفاظ الثناء، وقَصْرَه إياها على مستحقيها وبُخلَه بها عن غيرهم، يلمَسْ منزلةَ صاحبه عنده، ومكانتَه من نفسه. ولا بدّ أنّ الرجلينِ كانا يتبادلانِ الودّ والتقدير، وهما يجتمعانِ في النسبة الإقليمية، ويتشابهان في حِدّة المِزاج وصراحة القول وإبداء الانتقاد والتشدد في النهج.
ومن أصحاب ابن عبد الملك: ابن رُشَيْدٍ السَّبْتي مؤلِّفُ الرحلة الجامعة المستوعِبة للفوائد، ذَكَرا معًا هذه الصحبةَ واشتركا في الأخذ عن بعض الشيوخ، وكان بينَهما ما يكونُ بين صاحبينِ متعاصرَيْن مشتركين في الصّناعة، متواردَيْن على الرواية" طموحَيْنِ إلى التفوُّق العلمي. أمّا ابن عبد الملك فقد سمّى صاحبَه خلال بعض التراجم، وقال فيه في إحدى المناسبات، وهو ينشد تذييلاتِ الأندَلسيِّين