للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرهم على بيتى الحريري الواقعَيْن أثناء المَقامة السادسة والأربعينَ اللذين قال فيهما: "أسكَتا كُلُّ نافث، وأمِنَا أن يُعزَّزا بثالث": "ومثلها ما أنشَدني الصاحب الأكرم الحاجّ المبرور الراوية أبو عبد الله بن رُشَيْد، قال: أنشدني أبو محمد عبدُ الواحد بن محمد بن مبارَك التونُسيُّ لنفسه" (١). ثم أنشَدَ له بيتًا يعزِّز بيتي الحريريِّ المذكورين، وما كتبه ابن عبد الملك عن صاحبه هنا كان، كما هو واضح، بعد رجوعه من رحلته وحَجِّه، وهو يشهَدُ له كما ترى بالرواية التي عُرف بشَغَفها وسَعته فيها, ولا بدّ أنّ ابنَ عبد الملك وقَفَ على رحلة صاحبه كلِّها أو بعضِها، وإن لم نقفْ على ذكرِه لها في الأسفار الموجودة من"الذّيل والتكملة"، وما أنشَده هنا واردٌ فيها, ولكنّ عبارته تقضي سماعَه منه مباشرة إلا إذا كان ابنُ رُشَيْد ناوَلَه رحلتَه وتدبّجا، أى: روى كلُّ واحد منهما عن صاحبِه.

ويبدو أنّ أولَ لقاء بين الرجليْنِ تم في سَبْتة. وقد صرّح ابن رُشيد في رحلتهْ على أنه اجتمع بابن عبد الملك قبلَ رحلتِه التي بدأها سنة ٦٨٣ هـ, فقد حَكى فيها أنه عرَفَ بظهر المركَب الذي سافَرَ فيه من الإسكندَريّة عند العودة أديبًا مَرّاكُشيًّا هو أبو عثمان سعيدُ بن جون، وجرى بينَهما حديث جَرّ إلى ذكر ابن عبد الملك، وهذا نصُّه: "وكانت له (أى: للمَرّاكشيِّ المذكور) مشاركةٌ في علمَي العَروض والقافية، فتذاكرنا على مَتْن البحر شيئًا من أمر العَروض، فقلت له: إنّ صاحبَنا الفقيهَ الجليل المتفنِّن الأديبَ المحدِّث المتقنَ الضابط الناقدَ أَبا عبد الله بن عبد الملك المَرّاكُشيّ ذكَرَ لي يومًا بسَبْتة أنّ بعضَ الأدباء صنَع نظمًا عجيبًا في العَروض يتضمَّنُ جميعَ أعاريضه وضروبه، وأنه ذكَرَ لي صَدْره من حفظه ولم يُمكِّنِّي منه، فقال: القصيدُ عندي حاضر كنتُ قيَّدتُه عنه، فسُررت بذلك واغتنمتُها إفادةً جَرَت إليها المذاكرةُ واستخرجَتْها المحاضرة وكتبتُها عنه" (٢)، ثم ساق مقدّمة القصيدة المذكورة وأنشَدها في موضع آخَر، وهي قصيدةٌ لأبي الحَبْش البَسْطي،


(١) الذيل والتكملة ٤/الترجمة ١٢٢.
(٢) ملء العيبة ٦/ ٢ مخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>