للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونَستشعرُ من قول ابن رُشَيد: "ولم يمكِّنّي منه" كأنّ ابنَ عبد الملك تمنَّعَ من إفادته بذلك النظم، معَ أنه ربّما لم يكن تحتَ يده وقتئذٍ؛ لبُعده عن مكتبته في مَرّاكُش، وعلى كلٍّ فقد صار إليه النظم نقلًا عن ابن عبد الملك بواسطة ابن جونٍ المَرّاكُشيِّ صاحبِه وبلَديِّه، وقدِ استفاد ابنُ رشيد من ابن عبد الملك فوائدَ ذكَرَها حينًا وسكَت عنها أحيانًا أخرى، فمن ذلك: أنّ ابنَ رشيد قرأَ على ابن عبد الملك بأغمات برنامَج شيخِه الرُّعيني ووَهَبه ابنُ عبد الملك نُسخةً من هذا البرنامَج، وقد وَصَل إلينا نصّ سماع ابن رُشيد في النسخة التي اشتراها المرحومُ الزِّرِكْليُّ من مدينة مَرّاكُش، وهذا نصُّه: "الحمدُ لله، أكملتُه قراءةً على صاحبنا الأديب الحافل المتقِن الضابط، المتفضِّل بهبة هذه النُّسخة لي أبي عبد الله ابن عبد الملك حفظه الله وتولّاه، [وكان يُمسِكُ] أصلَ سماعِه [وأنا] أصحِّح هذه النُّسخة عليه، وكتَبَ محمد بن رُشَيْد الفِهرِيُّ أرشده الله، وكان [ذلك] بمدينة أغمات في عاشرِ شوّال عام .... وست مئة. والحمد لله" (١).

ويتبيّنُ من هذا النصِّ أنّ الصاحبَيْن التقيا في مناسباتٍ متعدِّدة في سَبْتة وأغمات ومَرّاكش وربما في فاسَ وغيرها، وقد جمعتهما خدمةُ الدولة المَرِينية الجديدة حيث أُسندت إليهما خُططٌ تناسبُهما، وفي النصِّ المذكور نرى ابن رُشَيْد يُحلِّي صاحبَه بحُلى رفيعة ويدعو له بما اقتضاه مقامُ الرّواية وأوجَبَه حقُّها عليه، ورأينا فيما سبَق كيف حَلّاه ابن عبد الملك. ومن التّحليتَيْن يؤخَذ رأي كلٍّ منهما في الآخَر.

ومعَ أنّ ابنَ رُشَيْد يعترفُ بطول باع صاحبِه في الأدب وتمكُّنِه من الضبط والنّقد، فقد وجدناه يبدو وكأنه يخالفُ رأيه هنا؛ إذ ينعَتُ صاحبَه ابنَ عبد الملك في موضع آخَرَ بالتجَنِّي في النّقد والتعسُّف فيه، ويرميه بانتقاص الأفاضل وتمكُّن هذه العادة منه حتى صارت له طبعًا، فقد وقَفَ ابن رشيد على ما كتبَه ابنُ عبد الملك في


(١) برنامج الرعيني - من المقدمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>