للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان فيما أرى آخرَ الرُّواة عن أبي عبد الله بن زَرْقون، وأبوَي القاسم المذكورَيْن. سَمِعتُه رحمه الله يقول: أدخَلَ عليّ أخي وكبيري أبو الحَسَن رحمه اللهُ إلى منزِل أبي وأنا في المَهْد ابنَ أربعينَ يومًا الراوِيةَ أبا القاسمِ ابنَ بَشْكُوال وأراهُ إيّايَ واستجازَه لي، فدَعَا لي بخيرٍ وكتَبَ لي حينئذٍ الإجازةَ وضَعَها بيدِه على صَدْري وانصَرفَ رحمه الله.

رَوى عنه من شيوخِنا: أبو الحَسَن بنُ محمد الرُّعَيْنيُّ وجماعةٌ من أصحابِنا ومَن يتنزَّلُ منزلةَ شيوخِنا، وقرأتُ عليه كثيرًا من الحديثِ والآداب، وتَلَوْتُ عليه بعضَ القرآن برواية وَرْش، وتدرَّبتُ بينَ يدَيْه في علم العَروض وصَنْعة الحساب وعَملِ الفرائض، وأجاز لي إجازةً عامّة غيرَ مرّة. وكان عَدَدِيّا مُهندسًا فَرَضيًّا عَدْلًا مَرْضيًّا شديدَ الشَّغَف بالعلم حريصًا عليه لا يأنَفُ عن استفادتِه من الصَّغيرِ والكبير، ولقد ذاكَرَني بمسائلَ وأنا ابنُ ستَّ عشْرةَ سنةً أو نحوَها فذكَرْتُ له ما عندي فيها ثم بعدَ حين وقَفْتُ عليها مُقيَّدةً بخطِّه وقد ختَمَها بقولِه: أفادَنيها الطالبُ الأنجَبُ الأُنْبَل أبو عبد الله بنُ عبد الملِك حفِظَه الله. وكان عاقِدًا للشّروط، مُمتِعَ المجالَسة طيِّبَ النفْس (١)، رقيقَ القلب سَريعَ الدَّمعة، أديبًا بارِعًا صاحبَ منظوم ومنثور، سَهْلَ الارتجالِ في النَّوعَيْن، كتَبَ بخطِّه الكثيرَ، وكان يَنْحو به طريقةَ شيخِه أبي عبد الله ابن عَيّاش المذكور وإن كان يَضعُفُ عنها، وعُني طويلًا بخدمةِ العلم، وكان من قُدَماءِ النُّجَباءِ فيه، وكتَبَ زمَنَ شَبِيبتِه عن غيرِ واحد من وُلاةِ بلاد الأندَلُس من آلِ عبد المؤمن بإشبيلِيَةَ وغيرِها، كأبي زيدٍ وأبي موسى عيسى المعروفِ بالعابد، ابنا (٢) عبد المؤمن، وأبي عِمرانَ بن أبي موسى المذكور، وأبوَيْ إسحاق: ابن أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن وابن أبي يوسُف يعقوبَ المنصور بن أبي يعقوبَ المذكور، وأبي الرَّبيع بن أبي حَفْص بن عبد المؤمن، وأبي عبد الرّحمن (٣)


(١) قوله: "طيب النفس" سقطت من ق.
(٢) كذا في النسختين، وهو على معنى القطع.
(٣) بعد هذا بياض في النسختين.

<<  <  ج: ص:  >  >>