للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عامر بنُ نَذير: لازمْتُه مئة من ستة أشهُر، لم أرَ أحفظ منه، وحضَرتُ لسَماع "الموطَّإ" و"صحيح البخاريِّ" سنة، فكان يقرأ من كلِّ واحد من الكتابَيْن نحوَ عشَرةِ أوراق عَرْضًا بلفظِه كلَّ يوم عَقِبَ صلاة الصُّبح لا يتوقَّفُ في شيءٍ من ذلك.

وقال أبو بكر بنُ جابر السَّقَطيّ: أخبَرَنا بعضُ الشَّرْقيّة أنّ أبا عُمر بنَ عاتٍ حَضَرَ في جماعة من طَلَبة العلم لسَماع السّيَر على بعض شيوخِهم فغابَ الكتابُ أو القاري بكتابِه فقال أبو عُمر بنُ عات: أنا أقرأُ لكم، فقَرَأَ لهم من حِفظِه.

وقال أبو محمد بنُ قاسم الحَرّار: ما رأيتُ أشدَّ انقباضًا ولا أهيَبَ من أبي عُمر بن عاتٍ، وما أخَذتُ عن أحدٍ أجلَّ في نَفْسي عِلمًا وعملًا منه رحمه الله، كان الأمراءُ من آلِ عبد المؤمن يُخاطبونَه ويعتمدونَ رأيَه وإشارتَه في مصالح بلدِه شاطبةَ وأهلِها ثقةً بدِينِه ورُكونًا إلى نصيحتِه، وكان ذا حظّ وافر من الأدب، قائلًا لجيِّد الكلام نثرًا ونَظْمًا، وقد ضَمَّن جُملةً وافرةً منهما كتابَيْه: "النُّزهة" و"الرَّيْحانة" المذكورَيْن وغيرَهما من تصانيفه، ومن ذلك قولُه يَرثي الشّيخَ الإمامَ الأوحدَ أبا محمد عبدَ الله بن عبد الرّحمن العُثمانيَّ الدّيباجيَّ ابن أبي اليابِس (١) رحمه الله [الكامل]:

خَطْبٌ كبيرٌ في مُصابِ كبيرِ ... ما بعدَهُ من سَلْوةٍ وسُرورِ

لا تسأَلوا عمّن أُصيبَ بفَقْدهِ ... حَلّتْ رَزِيّتُه على المعمورِ

أسَفًا لأهلِ العلم غُيِّبَ نُورُهمْ ... تحتَ الصفيحِ فما لهمْ من نُور

فُجِعوا بعثمانِيّهمْ فتناثَرَتْ ... عَبَراتُهمْ كاللؤلؤِ المنثورِ

يا شَيْبةً تقبيلُها كفّارةٌ ... للحَوْب أذكى من شَذا الكافورِ

ما كان أدأَبَ ليلَها ونهارَها ... في طاعةِ المكتوبِ والمسطورِ


(١) توفي سنة ٥٧٢ هـ وهو مترجم في تاريخ الإسلام ١٢/ ٥١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>