للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمَّا هما لهُ بأسماءِ الطَّير، وكان نافذًا في فكِّ المُعَمَّى ففَكَّهما وكتَبَ إليه [المجتث]:

نعَمْ فحارِبْ وسالِمْ ... وصِلْ مُعانًا وصارِمْ

أنا المِجنُّ الذي لا ... تَحيكُ فيه الصَّوارمْ

أنا الحُسامُ الذي لا ... يَزالُ للضَّيمِ حاسمْ

فاحكُمْ بما شئتَ إنّي ... بِعَضْدِ صحبيَ حاكمْ

وكان رحمه اللهُ من أُولي الحَزْم والجُرأةِ والبَسالةِ والإقدام والجَزالة وثَباتِ الجَأْش والشَّهامة ويُمْن النَّقِيبة، يَحضُرُ الغزَوات ويُباشرُ بنفسِه القتالَ ويُبلي فيه البلاءَ الحَسَن، وآخِرُها الغَزاةُ التي استُشهِدَ فيها بالكائنة على المسلمينَ بظاهر أَنِيشة عمَلِ بَلَنْسِيَةَ على نحوِ سبعةِ أميال منها، حضَرَها وحَرَّض المسلمينَ، وقد اختَلُّوا على قتالِ عدوِّهم، ورغَّبَهم في مُكافحتِه، ولم يزَلْ متقدِّمًا أمامَ الصّفوف زَحْفًا إلى [٢٣ ب] الكُفّار مُقبِلًا على العدوّ غيرَ مُدْبِر يُنادي المُنهزِمين: أعَنِ الجنّة تَفِرُّون؟ حتّى قُتِلَ صابرًا محُتسِبًا غَداةَ يوم الخميس لعَشْر بَقِينَ من ذي حِجة أربع وثلاثينَ وست مئة، وكان خروجُه إليها يومَ الأربعاء المتّصل به. ومَوْلدُه بخارج مُرْسِيَة عَصْر يوم الثلاثاءِ مستهَلَّ رمضانِ خمسٍ وستينَ وخمس مئة، وسيق إلى بَلَنْسِيَةَ ابنَ عامَيْن، وكان أبدًا يقول: إنّ مُنتَهى عُمُرِه سبعونَ سنةً لرُؤيا رآها في صِغَرِه، فكان كذلك.

واستُشهِد في هذه الوَقيعة جماعةٌ من عُلماءِ بَلَنْسِيّةَ وفُضَلائها وصُلَحائها، وفُقدَ نحوُ سبعينَ من أهل الصّفِّ الأوّل بجامعِها الأعظم منهم نفَعَهم اللهُ بالشّهادة.

وفي تأبييهم عمومًا وتأبين أبي الرَّبيع منهم خصُوصًا يقولُ أبو عبد الله ابنُ الأبّار أحسَنَ اللهُ جزاءه (١) [الطويل]:


(١) وردت أبيات من هذه القصيدة في برنامج الرعيني (٧١)، والنفح والروض المعطار (أنيشة).

<<  <  ج: ص:  >  >>