للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الشَّيْب وفَقْدِ الشباب (١) [الطَّويل]:

تولَّتَ ليالٍ للغَوايةِ جُوْنُ ... ووافَى صَبَاحٌ للرَّشادِ مُبِينُ

رِكَابُ شبابٍ أزمَعَتْ عنكَ رحلةً ... وجيشُ مَشِيبٍ جَهَّزتْهُ مَنُونُ

[٢٣ أ] ولا أكذِبُ الرّحمنَ مما أُجِنُّهُ ... وكيف وما يَخْفَى عليه جَنينُ

ومَن لم يَخَلْ أنّ الرِّياءَ يَشِينُهُ ... فمِن مَذْهبي أنّ الرِّياءَ يَشِينُ

لقد رِيعَ قلبي للشّبابِ وفَقْدِهِ ... كما ريعَ بالعِلْقِ الفَقيدِ ضَنِينُ

وآلَمني وَخْطُ المَشِيبِ بَلِمّتي ... فَخُطَّت بقلبي للشُّجونِ فُنونُ

وليلُ شَبابي كان أنضَرَ منظَرًا ... وآنقَ مهما لاحظَتْهُ عيونُ

فآهِ على عيشٍ تكَدَّر صَفْوهُ ... وأُنسٍ خَلا منه صَفًا وحُجونُ

ويا وَيْحَ فَوْدي أو فؤاديَ كلَّما ... تزيَّدَ شَيْبي كيف بَعدُ يكونُ

حرامٌ على قلبي سكونٌ يَقَرُّهُ ... وكيف مَعَ الشَّيبِ المُمِضِّ سُكونُ؟!

وقالوا: شبابُ المرءِ شُعْبَةُ جِنّةٍ ... فما لي عَرَاني بالمشِيبِ جنونُ؟!

وقالوا: شجاكَ الشَّيبُ حِدْثانَ ما أتى ... ولم يَعلَموا أنَّ الحديثَ شجونُ

وكان كاملَ المُروءة طيِّبَ العِشرة حسَنَ الخَلْقِ والخُلقِ، جميلَ الصُّحبة مُمتِّعَ المُجالسة عَذْبَ المنطِق، وجيهًا سَرِيَّ الهمّة أبيَّ النفْس نَفّاعًا بجاهِه ومالِه وعلمِه، وفيه يقولُ نَشْأتُه وتلميذُه الأخصّ به أبو عبد الله ابنُ الأبّار، رحمه الله (٢) [المجتثّ]:

إن شئتَ يَا دهرُ حارِبْ ... أو شئتَ يَا دهرُ سالِمْ

فصارِمي ومِجَنِّي ... أبو الرّبيع بنُ سالِم


(١) الأبيات في النفح أَيضًا ٤/ ٤٧٤.
(٢) انظر تحفة القادم (١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>