[كان أديبًا حَسيبًا مُمتَّعًا من الظَّرْف، رَّيان من الأدب، حافظًا سريعَ البديهةِ، تَرِفَ النشأة، على تصاونٍ وعَفافٍ، جميلًا سريًّا، ممن تساوى حظه من النظم والنَّثر على تباين الناس في ذلك. وله تواليفُ أدبيّة، منها:"زادُ المسافر"، وكتابُ "الرِّحلة"، وكتابُ "العُجَالة" سِفْرانِ يتضمَّنانِ من نَظْمِه ونَثْرِه أدبًا لا كِفَاءَ له، وانفردَ من تأبينِ الحُسَين وبُكاءِ أهل البيت بما ظَهَرتْ عليه برَكتُه من حكاياتٍ كثيرة].
وله من رسالةٍ خاطَبَ بها قاضيَ الجماعة أَبا القاسم بنَ بَقِيّ حين قُلِّد خُطّةَ القضاءِ سنةَ ثِنتينِ وتسعينَ وخمس مئة [الطويل]:
سلامٌ على أهْلِ العُلا والمكارمِ ... كما عَتقَتْ أَنفاسُ زَهْرِ الكمائمِ
وقد بأن كما بانتِ الواضحةُ الجَلِيّة، أنّ قليلاً تنطلقُ عليه هذه الكُلِّيّة، حتّى إذا انقَبَضت عنها مَراجي الطَّمَاعة، عُلِم أنها مخصوصةٌ بقاضي الجماعة، حُسْنِ الأيام وجمالِها، ومآلِ الآمالِ وثُمالِها، وبصَرِ المعارفِ وسَمْعِها، وواحدِ الفضائل وجَمْعِها, لِينٌ يتضمَّنُ الاكتفاء، ونجدةٌ لا تَبلُغُ الجَفاء، وضالَّةٌ لمن نَشَدَ الوفاء، أبو القاسم بنُ بَقِيِّ بن مَخْلَد، بورِكَ في والدٍ وما وَلَد [الكامل]:
أدامَهُ اللهُ حَلْيًا يتنزَّلُ من مشاهدِ المعارف، تَنَزُّلَ الرُّقُمِ من أردانِ المطارِف، وهذا شيءٌ سألتُ الله فيه وقد فَعَل، فإياه أسألُه كما جعَلَه من الكمال حيثُ جعَل، أن يُهنِّئ الأحكامَ ما تأتَّى لها من تَوَلّيهِ وانفعل؛ لأنّ (١) قَدْرَه دام عُمرُه، وامتُثِل نَهْيُه الشَّرعيُّ وأمرُه، أعلى رُتبةً وأكرمُ محلًّا، من أن يتَحلَّى بخُطّةٍ هي به تتَحَلَّى، كيف يُهنَّأُ بالقعودِ لسَماع دعاوَى الباطل، والمعاناةِ لإنصافِ الممطول من الماطل، والتّعبِ [٤١ أ] في المعادلة، بينَ ذَوي المجادَلة؟ أمَا لو عَلِم المتشوِّفونَ إلى خُطّة الأحكام، المُستشرِفونَ إلى ما لها من التبسُّط والاحتكام، ما يجبُ لها من اللّوازم، والشّروطِ الجَوازم، كبَسْطِ الكَنَف، ورَفْع الجَنَف، والمساواة بين العدوِّ ذي
(١) من هنا حتى قوله: "اليد البيضاء" وردت في الإحاطة ٣/ ٣٥٨ - ٣٥٩ والنفح ٥/ ٦٨.