للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ألَّفَ بعدَ ذلك في ذلك الفَنّ مجموعًا على مَنْحَى العَروضيِّينَ أتقَنَ ترتيبَه، وأجاد تهذيبَه.

ومن مصنَّفاتِه سوى ما ذُكِر: مجموعٌ نبيل في قراءة نافع و"تلخيصُ أسانيدِ الموطَّإ" من روايةِ يحيى بن يحيى، قال أبو عبد الله ابنُ الأبار (١): وهو ممّا دَلّ على سَعةِ حفظِه وحُسن ضَبْطِه، قال: وقد استدرَكتُ عليه مثلَه أو قريبًا منه.

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: أسَرَّ ابنُ الأبار في هذا الثناءِ حَسْوًا في ارتغاء، وأظهَرَ زُهدًا في ضمنِه أشدُّ ابتغاء، ولم أقفْ على كتابِ ابن الأبار غيرَ أنّي وجَدتُه يَذكُرُ بعضَ ذلك في مواضعَ من "تكمِلتِه"، وفي أمَلي التفرُّغ لالتقاطِه إن شاء الله، وأرى أنه محَلُّ استدراك ومجالُ اشتراك، فقد وقَفْتُ على ما لم يَذكُراه، وعثَرتُ فيما طالَعْتُ على ما لم يُسطِّراه، والإحاطةُ لله وحدَه. ومنها: مقالةٌ مفيدةٌ في بيتِ [الوافر]:

بكَتْ عَيْني وحُقَّ لها بُكاها ... وما يُغْني البكاءُ ولا العويلُ

وكان بينَه وبينَ الأستاذِ أبي عليّ الرُّنْدي (٢) من التنافس ما يكونُ بينَ المتوارِدينَ على صَنْعةٍ واحدة، فكتَبَ أبو علي إجازةً لبعض الآخِذينَ عنه، فلمّا وقَفَ عليها أبو محمد اطّلعَ منها على أوهام في أسانيدِها، فتتبَّعها أبو محمد بالنَّقْد لها وإصلاحِها وتبيينِ الصَّواب فيها، وأودَعَ ذلك كتابًا وسَمَه بـ"المُبدي لخطإِ الرُّنْدي" ظهَرَ فيه شُفوفُه وإدراكُه وتبريزُه في جَوْدة التعقُّب وتحقيقُه وإتقانُه.

ومن دلائلِ عناية الله به تبشيرُه إيّاه بالنَّجاةِ من النّار، وذلك فيما حَكَاه تلميذُه الأخصُّ به أبو أحمد جعفرُ بن زَعْرورٍ العامِليّ، وكان خيِّرًا ديِّنًا فاضلًا، قال: بِتُّ ليلةً معَ الأستاذِ أبي محمد في دُوَيْرتِه التي كانت له بجبل فارُّه، وكان اتّخاذُه إيّاها هنالك ليَنفردَ بها لمطالعةِ كُتبِه والنظرِ في أمورِ دِينِه، فنامَ الأستاذُ في


(١) التكملة (٢١٤٨).
(٢) سيأتي ذلك أيضًا في ترجمة الرندي في السفر الخامس من هذا الكتاب (الترجمة ٧٨٠)، وترجمة الرندي في التكملة الأبارية (٢٦٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>