للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ساعة كنتُ فيها يَقْظانَ، فرأيتُه قد استَيْقَظَ من نومِه ضاحكًا مستبشِرًا مَسْرورًا، وهو يشُدُّ يدَه كمَن قَبَضَ على شيءٍ نَفيس، قال أبو أحمد: فسألتُه عما شاهدتُه منه، فقال: كنتُ أرى عَجَبًا، كأنّ الناسَ قد حُشِروا للعَرْض على الله تعالى، وكأنّ رَبَّ العِزّة قد تَجلَّى لهم، فكان يُؤتَى بالمحدِّثينَ للعَرْض على الله تعالى، فكنتُ أرى أبا عبد الله النُّمَيْريَّ رحمه الله يؤتَى به فيوقَفُ بين يدَيْ ربِّه، وأظُنُّه قال: فيُعطَى براءتَه من النار، [٦١ أ] ثم يُؤتَى بي فأُوقفُ بين يَدَيْ ربِّي فيُعطيني براءتي من النار، فأستَيقظُ وأنا أَشُدُّ عليها يَدِي فَرَحًا بها واغتباطًا، والحمدُ لله.

وحدَّثني شيخُنا أبو الحَسَن الرُّعَيْني رحمه اللهُ قراءةً عليه ونَقلتُه من خطِّه (١)، قال: كتَبَ إليّ صاحبُنا الأستاذُ أبو بكرٍ أحمدُ ابنُ الأستاذ أبي محمد ابن القُرْطُبيِّ قال: حدَّثني الأستاذُ أبو زيد الخَزْرَجيُّ (٢)، قال: دخَلَ علينا يومًا الفقيهُ الحَسِيب أبو الفَضْل بن عِيَاض زائرًا لأبيك بمسجد إقرائه، فتحادَثْنا زمانًا، وكان أبو الفَضْل من أسنانِه غيرَ أن الشَّيبَ قد كان جارَ عليه، وكان الأستاذُ قد تأخَّر شَيْبُه، فقال له الفقيهُ أبو الفَضْل: يا أستاذ، شِبنا وما شِبتُم، قال: فأنشَدَه الأستاذُ مُرتجلًا [الطويل]:

وهل نافعي أنْ أخطأَ الشيبُ مَفْرِقي ... وقد شابَ أترابي وشابَ لِدَاتي

لئنْ كان خَطْبُ الشَّيبِ يوجَدُ عَيْنُهُ ... بِتِرْبي فمعناه يقومُ بذاتي

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: تَلقَّى لامَ الإيذان بالقَسَم بالفاءِ وَهْمًا، وإنّما حقُّها التلقِّي باللام أو ما يُتَلقَّى به القَسَمُ على الجُملة، وفي التنزيل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ... لَيَقُولُنَّ} [لقمان: ٢٥]، {وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ} [الحشر: ١٢]، في آيٍ كثيرة، ولو عَوَّض الفاءَ بلام أو جعَلَ "إذا" عِوَضَ "لئن" لَسَلِم من هذا النَّقْد، واللهُ أعلم.


(١) برنامج الرعيني: ٨٧ - ٨٨.
(٢) ترجمة الخزرجي، وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن القمارشي، في برنامج الرعيني: ١٤٠، والتكملة (٢٣٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>