وقرأتُ أيضًا على شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْنيِّ (١) رحمه الله: أنبأني الأستاذُ أبو زَيْد المذكورُ فيما أذِنَ لي فيه، قال: أنشَدني الأستاذُ أبو محمد [ابنُ] القُرطُبيِّ لنفسِه في التّجنيس [الطويل]:
لعَمْرُكَ ما الدُّنيا وسُرعةُ سَيْرِها ... بسُكّانِها إلّا طريقُ مَجازِ
حقيقتُها أن المُقامَ بغيرِها ... ولكنّهم قد أُولعوا بمَجازِ
وكان قد وَصَلَ إلى مالَقةَ عصَمَها الله عامَ أحدٍ وثمانينَ وخمس مئة كتابٌ من أهل مِصرَ زَعَموا أنّ أهلَ الهندِ بَعَثوا إليهم به، وفيه [البسيط]:
كونوا على حَذَرٍ بَنيَّ وارتقِبوا ... كواكبَ الخمسِ في الميزانِ تقتَرِنُ
من بعد عامِ ثمانينَ القِرانُ يُرى ... فلا تَغُرَّنْكُمُ الأشغالُ والمِهَنُ
فبعدَها ستَهبُّ الرِّيحُ عاصفةً ... تُبيدُ بعضَ بني الدُّنيا وما سكَنوا
تَحَصَّنوا في كهوفٍ في جبالِكُمُ ... شَهْرًا إذا ما أتاكُمْ ذلك الزّمنُ
فليس يُنجي الوَرَى منها إذا ظَهَرتْ ... من الهلاكِ حُصونُ الأرضِ والمُدُنُ
وإن أَمُتْ فافعَلوا ما قد أمرَتُكُمُ ... جَهدًا فإنّ جميعَ الخَلْقِ ما فَطِنوا
كونوا على حذرٍ عامينِ وانتظِروا ... فإنّها في جميع الأرضِ تُمْتحَنُ
إنه صَحَّ عندَنا خبرُ هذا الطُّوفان، واجتماعُ الكواكبِ في الميزان، فدَلّ على خَرابِ جميع البلاد بالجُملة ولا يبقَى على وَجْه الأرض جِدارٌ ولا شجرةٌ قائمةٌ إلّا ذهَبَتْ من شدّةِ الرِّيح، ويكونُ هذا الرِّيحُ من نصف ليلة الاثنينِ إلى نصف يوم الأربعاءِ من اليوم التاسع والعشرينَ من جُمادى الآخِرة سنةَ اثنتينِ وثمانينَ