للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينَهما والمقاطعةُ إلى موتِ الأستاذِ أبي محمد متظلِّمًا من ابنَ حَسّون، فمِن عجيبِ الاتّفاق وغريبِ الوِفاق أنه لمّا خرجَ بجَنازةِ الأستاذِ أبي محمد وقد احتَفلَ الناسُ لشهودِها باكينَ متفجِّعين، فاجأها ابنُ حَسُّون داخلًا من بعض متصرَّفاتِه، فنَفَرت منهُ دابّتُه فأكرَهَها حَمْلًا عليها، فزاحَمت به النَّعشَ بقوّتِها، فأخَذَه مقدَّمُ النعشِ في صدرِه فصَرَعَه عن دابّتِه ووقَعَ مَغْشيًّا عليه شَرَّ وقوع من غيرِ أن يَسقُطَ النَّعشُ عن أيدي حامليه، فطال تعجُّبُ الناس من ذلك حتى كان من كلام بعضِهم: لم يدخُل الأستاذُ قبرَه حتّى أخَذ ببعضِ النَّصَف منَ ابن حَسُّون، وعند الله تجتمعُ الخصوم.

ورثَى الأستاذَ أبا محمد الأديبُ أبو محمد عبدُ الله بن حَسَن المعروفُ بالبَرْجِي (١) بقصيدةٍ مُحسَنة مطلَعُها [الطويل]:

غرَبْتَ فسيفُ الدِّين ليس له غَرْبُ ... وغِبتَ فلا شَرْقٌ يضيءُ ولا غَرْبُ

لئن أوحَشَتْ تلك المعاهدُ والحِمى ... فأدمُعنا منْ دونِ واكِفها الغَرْبُ

وإن ضاق رَبْعُ الأُنسِ والصّبرِ بعدَكُمْ ... فإنَّ فِناءَ الحُزنِ بعدَكُمُ رَحْبُ

في هذين البيتَيْن ما في بيتِ الأستاذ: "لئن كان خَطْبُ الشَّيب ... "، البيتَ، وقد تقَدَّم القولُ فيما كان من قَبِيلِه.

رجَعْنا إلى الرثاء [الطويل]:

وقلتُ وقد ضاقتْ عليَّ مذاهبي ... وقُلِّبَ فوقَ الجَمْرِ مِن وَجْدِهِ القلبُ:

[٥٥ أ] إذا لم تَلُحْ شمسًا على أُفُقِ الهُدى ... فلا انهَلَّ وَسْميٌّ ولا انثَنتِ القُضْبُ

ومنها [الطويل]:

خليليَّ هُبَّا ساعداني بعَبْرَةٍ ... وقُولا لمَن بالرَّيِّ: ويْحَكمُ هُبُّوا


(١) سيورد ابن عبد الملك ترجمته، انظر رقم (٣٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>