وهي في طريقها إلى الإعلان عن نفسها وأهدافها بين وفود العرب القادمين على مكة لحضور الموسم، بعد أن سبقها ذكرها إلى الناس بما أتته قريش من طيش أحمق، ورعونة بلهاء في ترصدها القادمين أفراداً وجماعات، تحذّرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسمعوا منه أو يكلموه، خشية أن يجذبهم حديثه إلى متابعته والإيمان بدعوته، وتصديق رسالته!
وكأنما كان ذلك الطيش الأرعن الذي تورّط فيه ملأ قريش بشؤم مشورة طاغيتهم الوليد بن المغيرة، وشيطانهم اللعين: النضر بن الحارث، وغميز الرجولة، فرعون هذه الأمة أبي جهل بن هشام، إيذاناً من الله تعالى أن تنطلق دعوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - من حصار قريش، فتطرق أبواب العقول والقلوب، على رغم أنف العتوّ العنيد الذي سيطر على عقليّة ملأ قريش وطغاتها من أحلاس الماديّة الوثنيّة، وقد حاولوا بكل ما يملكون من قوى ماديّة شرّيرة، وفجور دعائي عات عنيد، أن يعوقوا سير الرسالة، ويوقفوا مدّ انسياح الدعوة إلى الله تعالى، وسلكوا في سبيل ذلك كل طريق استطاعوا أن يسلكوه، ولم يتركوا أمراً تخيّلوه عائقاً يمكن أن يصدّ دعوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ويردّ تيّارها عن زحفه مزمجراً بقوة الحق وقهره إلا أتَوه وفعلوه! ولكن محمداً - صلى الله عليه وسلم - وقد حمّله الله تعالى مصباح الهداية مضيئاً، ينير له الطريق، ويكشف له مسالك السير برسالته قدماً، لم يزل دؤوباً وهو منفرد وحيد، يجول في ميدان الكفاح وحده، في قلّة صابرة محتسبة من أصحابه، آمنوا به وبدعوته على خوف من بطش قومهم وجبروتهم، على نشر دعوته إلى توحيد الله ودينه القويم، يدعو إليه كل من لقيه ويلقاه من الناس في أي مكان وزمان ومجتمع!
ولما استيأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قومه، بعد أن بذل في سبيل هدايتهم كل