والغضب شعلة من النار، وهم أشدّ ما يكونون اندفاعاً إلى اللقاء حين يغضبون، فلا يقوم لهم عدوّ، ولا يهزمون وهم سالمون، وزاد مفروق في وصف قومه وصفاً يعرف به أنهم يحبون الوغي في حومته، وأنهم يستعذبون الاقتحام فيه وتقبيل السيوف عند اللقاء، نشأة عليها نشؤوا وتربية بها تربّوا يحبّون السلاح والجياد أكثر من حبهم أفلاذ الأكباد، وكان مفروق رجلاً عاقلاً رزيناً، لا تستفزه رعونة الزعامة في قومه، ولا يغرّه شرف محتده، بل يعلن أن النصر من عند الله، لا يجلبه قوة ولا شجاعة، ولا تجربة، وهو إلى أصحاب الجهد الصبور أقرب منه إلى أصحاب القوة الرعناء، والله تعالى يداول بين الناس، فيوم لك ويوم عليك، يديلنا مرّة فينصرنا، ويديل علينا مرّة أخرى، فينصر عدوّنا علينا، سنة الله في خلقه!
ثم التفت مفروق إلى أبي بكر، بعد أن أنهى حديثه معه، وقال له: لعلك أخو قريش؟ -يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن مفروق قد سبق له أن عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل هذا المجلس، ولكن مفروقاً بدر أبا بكر بهذا التوقّع لما كان قد بلغه من ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر دعوته ورسالته، وهنا تتجلّى براعة أبي بكر - رضي الله عنه - في استرعاء الأنظار إلى التعرف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعرّفاً يمكّن له في القلوب والأبصار، حتى إذا أجرى الحديث معه جرى في واديه وقصده، إذ يتولاه صاحب دعوته، فقال أبو بكر - رضي الله عنه - ليؤكد هذا التعرّف، ويوجّه الأسماع إلى الهدف الذي كان له هذا اللقاء، فقال: أوقد بلغكم أنه رسول الله؟ فها هو ذا مشيراً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!
فقال مفروق: قد بلغنا أنه يذكر ذلك، وفي هذه الجملة يتجلّى صدق اليقين، وأدب النفس، ورصانة العقل، وامتلاك زمام الأمر؛ لأن أبا بكر - رضي الله عنه - إذ