ويسمع، ولا يتكلم، وقرناء مفروق في زعامة قومهم في تنبّه يقظ يسمعون! وسأل أبو بكر مفروقاً عن عدد قومه، وهو لا يريد بالطبع إحصاءً عدديًّا لهم، ولكنه يريد أن يتعرّف على مصدر القوّة فيهم، وفي حروبهم، ليسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يعلم علم ما إليه قصد من منعة وحماية ونصرة وإيواء! ومن البداهة أن مصدر القوّة لتحقيق هذا الهدف إنما هم الرجال الأشدّاء، ذوو البأس والقوّة وصدق اللقاء في معمعان الوغي ومواقع النضال!
وأجاب مفروق بأن عدد المنعة والحميّة فيهم يزيد على الألف -ولن يغلب الألف من قلّة- وكان لعدد الألف عند العرب روعة في التزيد به والتكثر، وهذا ما كانت بيئاتهم تقتضيه؛ فهم لم تكن لهم حروب عامة جامعة، وإنما كانت حروبهم جزئيّة محصورة متكافئة الأعداد، وسأل أبو بكر - رضي الله عنه - مفروقاً عن المنعة والحميّة فيهم ليعرف مقدار حرصهم على غيرة الجوار وحماية البيضة وحفظ الذمار، فأجاب مفروق جواب الرجل العاقل الذي لا يستفزّه الغرور الأهوج، ولا يتوثبه الطيش الأرعن، ولا تملكه الكبرياء الحمقاء، فلم يندفع إلى التكذّب والإعاء لما ليس هو بكائن عنده وعند قومه، فقال: علينا أن نبذل ما نستطيع من جهد وصبر، وإذا كان لكل قوم جدّ يدّرعونه في مواقفهم، فلنا جدّنا في جهدنا وصبرنا!
وسأل أبو بكر - رضي الله عنه - مفروقاً عن الحرب بينهم وبين عدوّهم، ليستبين خصيصة قومه في لقائهم عدوّهم، فوصف مفروق قومه وصفاً من أبدع ما يوصف به قوم في ميدان البطولة والشجاعة التي لا تتهوّر، ولا تتقاعس، ولكنها بطولة جدّ ساعة الجدّ، فتربو على أمدها في توجيه رحى الحرب إلى مصافّهم في مصافّ الأبطال، فهم غضاب أشدّ ما يكون الغضب إذا لاقوا عدوّهم،