للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزلتا بعد الهجرة في أناس من أهل مكّة أسلموا، فكتب إليهم أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من المدينة ألا يُقبل منهم إسلامٌ حتى يهاجروا إلى المدينة، فخرجوا مهاجرين فأتبعهم المشركون فردّوهم.

وهي السورة الخامسة والثمانون في ترتيب نزول سور القرآن، نزلت بعد سورة (الروم)، وقيل سورة (المطفّفين)، فتكون من أخريات السور المكيّة، بحيث لم ينزل بعدها بمكّة إلا سورة (المطفّفين).

وهذا الإيقاع يساق في صورة استفهام استنكاري لمفهوم الناس للإيمان، وحسبانهم أنه كلمة تقال باللسان ليس لها في الجَنَان مكان: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢)}!

والتَّرْك هنا مستعمل في حقيقته؛ لأن الذين آمنوا قد كانوا مخالطين للمشركين ومن زمرتهم، فلمَّا آمنوا اختصّوا بأنفسهم، وخالفوا أحوال قومهم، وذلك مظنّة أن يتركهم المشركون وشأنهم، فلمّا أبي المشركون إلا منازعتهم طمعاً في إقلاعهم عن الإيمان وقعٍ ذلك منهم موقع المباغتة والتعجّب وذكر الترك المجازي في قوله تعالى: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧)} (البقرة)!

والمعنى: أحسب الذين قالوا آمنّا أن يتركهم أعداء الدّين دون أن يفتنوهم .. وهذه الفتنة مراتب: أعظمها التعذيب، كما فُعل بـ (بلال، وعمّار بن ياسر، وأبويه) كما سبق أن ذكرنا.

ومن الفتنة أن يتعرّض المؤمن للأذى من الباطل وأهله، ثمّ لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه، ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة، ولا يجد القوّة التي

<<  <  ج: ص:  >  >>