وجاذبيّة الأرض، وثقلة اللحم والدم، والرغبة في المتاع والسلطان، أو في الدّعة والاطمئنان، وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان والاستواء على مرتقاه، مع المعوّقات والمثبّطات في أعماق النفس، وفي ملابسات الحياة، وفي منطق البيئة، وفي تصوّرات أهل الزمان!
فإذا طال الأمد، وأبطأ نصر الله، كانت الفتنة أشدّ وأقسى، وكان الابتلاء أشدّ وأعنف، ولم يثبت إلا من عصم الله. . وهؤلاء هم الذين يحقّقون في أنفسهم حقيقة الإيمان، ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى، أمانة السماء في الأرض، وأمانة الله في ضمير الإنسان.
وحاشا لله أن يعذّب المؤمين بالابتلاء، وأن يؤذيهم بالفتنة، ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمّل الأمانة، فالأمانة تحتاج إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العمليّة للمشاقّ، وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات، وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام، وإلا بالثقة الحقيقيّة في نصر الله وفي ثوابه، على الرغم من طول الفتنة وشدّة الابتلاء.
والنفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث، وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمّع، وتطرقها بعنف وشدّة فيشتدّ عودها ويصلب ويصقل، وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات فلا يبقى صامداً إلا أصلبها عوداً، وأقواها طبيعة، وأشدّها اتصالاً بالله، وثقة فيما عنده من الحسنيين: النصر أو الأجر، وهؤلاء هم الذين يسلّمون الراية في النهاية، مؤتمنين عليها، بعد الاستعداد والاختبار.
وانهم ليتسلّمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم: بما أدّوا من غالي الثمن، وبذلوا لها من الصبر على المحن، وذاقوا في سبيلها من الآلام والتضحيات.