أسباب العصمة منها، لمن كان أهلاً للعصمة، وفي هذا الإسناد إيماء إلى أن الذي خلق أسباب تلك الفتن قريبها وبعيدها قادر على صرفها بأسباب تضادها، والإشارة إلى هذا المعنى في دعاء موسى -عليه السلام: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨)} (يونس)!
فسأل الله أن يخلق ضدّ الأسباب التي غرَّت فرعون وملأه وغشيت على قلبه بالضلال!
والمقصود التذكير بما لحق صالحي الأمم السالفة من الأذى والاضطهاد، كما لقي صالحو النصارى من مشركي الرومان في عصور المسيحيّة الأولى، وقد قصَّ القرآن بعض ذلك في سورة (البروج).
ويطالعنا إرهاب أصحاب الأخدود، فيما يرويه مسلم وغيره عن صهيب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كان مَلِكٌ فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلمَّا كَبِر قال للملِك:
إِنّي قد كبِرت، فابعثْ لي غلاماً أُعلِّمْه السِّحر، فبعث إِليه غلاماً يُعلِّمه، فكان في طريقه إِذا سلك راهبٌ، فقعَد إِليه وسمع كلامه: فكان إِذا أتى الساحر مرّ بالرّاهب، وقعَد إليه، فإِذا أتى الساحر ضَربه، فشكا ذلك إِلى الرّاهب، فقال: إِذا خشيتَ الساحر فقُلْ: حبسني أهلي، وإِذا خشيت أهلك فقُل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إِذْ أتى على دابّة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم آلساحرُ أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرًا فقال: