فكانت بها أقوى من جميع القوى التي وقفت في طريقها، وداست بها على كبرياء الجبابرة في الأرض، ودكَّت بها المعاقل والحصون!
لقد استقرّت هذه الحقيقة الضخمة في كل نفس، وعمرت كل قلب، واختلطت بالدم، وجرت معه في العروق، ولم تعد كلمة تقال باللسان، ليس لها في الجَنان مكان، ولا قضيّة تحتاج إلى جدل؛ بل بديهة مستقرة في النفس، لا يجول غيرها في حسّ ولا خيال!
قوّة الله وحدها هي القوّة .. وولاية الله وحدها هي الولاية .. وما عداها فهو واهن ضئيل هزيل، مهما علا واستطال، ومهما تجبّر وطغى، ومهما ملك من وسائل البطش والطغيان والتنكيل!
إنها العنكبوت .. وما تملك من القوى ليست سوى خيوط العنكبوت: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١)}!
وإن أصحاب الدعوات الذين يتعرّضون للفتنة والأذى، وللإغراء والإغواء -كما أسلفنا- لجديرون أن يقفوا أمام هذه الحقيقة الضخمة، ولا ينسوها لحظة، وهم يواجهون القوى المختلفة، هذه تضرّ بهم، وتحاول أن تسحقهم .. وهذه تستهويهم، وتحاول أن تشتريهم .. وكلها خيوط العنكبوت في حساب الله، وفي حساب العقيدة حين تصحّ العقيدة، وحين تعرف حقيقة القوى، وتحسنُ التقويم والتقدير:{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ}!
إنهم يستعينون بأولياء يتخذونهم من دون الله، والله يعلم حقيقة هؤلاء الأولياء .. وهي الحقيقة التي صوَّرت في المثل السابق .. عنكبوت تحتمي بخيوط العنكبوت! {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}!