الجاهليّات المتناثرة في كل زمان ومكان وجيل وقبيل، وعصر ومصر، كلما انحرف الناس عن الاتجاه إلى الله وحده، والسير على صراطه ومنهجه .. فما هذا كله؟ إنه الضلال عن المتجه الوحيد الذي يجدي فيه الدعاء: {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٢)}! المغرق في البعد عن الهدى والاهتداء .. {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ}! من وثن أو شيطان، أو سند من بني الإنسان .. وهذا كله لا يملك ضرًا ولا نفعاً، وهو أقرب لأن ينشأ عنه الضرّ، وضرره أقرب من نفعه .. ضرره في عالم الضمير بتوزيع القلب، وإثقاله بالوهم، وإثقاله بالذل، وضرره في عالم الواقع .. وكفى بما يعقبه في الآخرة من ضلال وخسران {لَبِئْسَ الْمَوْلَى}! ذلك الضعيف لا سلطان له في ضرّ أو نفع {وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣)}! من بني الإنسان، ممن يتّخذهم بعض الناس آلهة أو أشباه آلهة في كل زمان ومكان!
والله عزَّ وجلَّ يدّخر للمؤمنين به ما هو خير من عرض الحياة الدنيا كله، حتى لو خسروا ذلك العرض كله في الفتنة والابتلاء:
فمن مسّه الضرّ في فتنة من الفتن وفي ابتلاء من الابتلاءات فليثبت ولا يتزعزع، وليستبق ثقته برحمة الله وعونه، وقدرته على كشف الضرّاء، وعلى العوض والجزاء!
فأما من يفقد ثقته في نصر الله، ويقنط من عون الله له في المحنة حين تشتد المحنة فليفعل بنفسه ما يشاء، وليذهب بنفسه كل مذهب، فما شيء من ذلك بمبدل ما به من البلاء: