إن حساب الربح والخسارة يصلح للتجارة؛ ولكنه لا يصلح للعقيدة، فالعقيدة حقّ يعتنق لذاته، بانفعال القلب المتلقّي للنور والهدى الذي لا يملك إلا أن ينفعل بما يتلقّى .. والعقيدة تحمل جزاءها في ذاتها، بما فيها من طمأنينة وراحة ورضى، فهي لا تطلب جزاءها خارجاً عن ذاتها!
والمؤمن يعبد ربّه شكراً له على هدايته إليه، وعلى اطمئنانه للقرب منه والأنس به جلَّ شأنه!
والمؤمن لا يجرّب إلهه، فهو قابل ابتداء لكل ما يقدره له، مستسلم ابتداء لكل ما يجريه عليه، راض ابتداء بكل ما يناله من السرّاء والضرّاء .. وليست هي صفقة في السوق بين بائع ومشترٍ .. إنما إسلام الخلوق للخالق صاحب الأمر فيه، ومصدر وجوده من الأساس!
والذي ينقلب على وجهه عند مسّ الفتنة يخسر الخسارة التي لا شبهة فيها ولا ريب: {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١)}!
يخسر الطمأنينة والثقة والهدوء والرضى، إلى جوار خسارة المال أو الولد، أو الصحة، أو أعراض الحياة الأخرى التي يفتن الله بها عباده، ويبتلي بها ثقتهم فيه، وصبرهم على بلائه، وإخلاصهم أنفسهم له، واستعدادهم لقبول قضائه وقدره .. ويخسر الآخرة وما فيها من نعيم وقُربى ورضوان، فياله من خسران!
وإلى أين يتجه هذا الذي يعبد الله على حرف؟ إلى أين يتّجه بعيداً عن الله؟ إنه {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ}! يدعو صنماً أو وثناً على طريقة الجاهليّة الأولى، ويدعو شخصاً أو جهة أو مصلحة على طريقة