للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣)} (الأنعام)!

وهنا نبصر حقيقة قدر الله أن يكون لكل نبيّ عدوّهم شياطين الإنس والجن، وأن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول، ليخدعوهم به، ويغروهم بحرب الرسل وحرب الهُدى، وأن تصغى إلى هذا الزخرف أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة، ويرضوه، ويقترفوا ما يقترفونه من العداوة للرسل وللحق، ومن الضلال والفساد في الأرض (١) .. كل ذلك إنما جرى بقدر الله، وفق مشيئته، ولو شاء ربك ما فعلوه، ولمضت مشيئته بغير هذا كله، ولجرى قدره بغير هذا الذي كان، فليس شيء من هذا بالمصادفة، وليس شيء من هذا بسلطان من البشر كذلك أو قدرة!

فإذا تقرّر أن هذا الذي في الأرض من المعركة الناشبة التي لا تهدأ بين الرسل والحق الذي معهم، وشياطين الإنس والجنّ وباطلهم وزخرفهم وغرورهم .. إذا تقرّر أن هذا الذي يجري في الأرض إنما يجري بمشيئة الله، ويتحقق بقدر الله، فإن المسلم ينبغي أن يتّجه إذن إلى تدبّر حكمة الله من وراء ما يجري في الأرض، بعد أن يدرك طبيعة هذا الذي يجري والقدرة التي وراءه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}! بإرادتنا وتقديرنا، جعلنا لكل نبي عدوًّا .. هذا العدوّ هو شياطين الإنس والجن .. والشيطنة وهي التمرّد والغواية والتمحّض للشرّ صفة


(١) السابق: ٣: ١١٨٨ وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>