تلحق الإنس كما تلحق الجنّ .. وكما أن الذي يتمرّد من الجنّ ويتمحّضُ للشرِّ والغواية يسمّى شيطاناً، فكذلك الذي يتمرّد من الإنس ويتمحّض للشر والغواية .. وقد يوسف بهذه الصفة الحيوان إذا شرس واستشرى أذاه، وقد روى مسلم وغيره مرفوعاً من حديث طويل عن أبي ذر:"الكلب الأسود شيطان". (١)
هؤلاء الشياطن -من الإنس والجن- الذين قدّر الله أن يكونوا أعداء لكل نبيّ، يخدع بعضهم بعضاً بالقول المزخرف، الذي يوحيه بعضهم إلى بعض -ومن معاني الوحي التأثير الداخلي الذي ينتقل به الأثر من كائن إلى كائن آخر- ويغر بعضهم بعضاً، ويحرّض بعضهم بعضاً على التمرّد والغواية والشرّ والمعصية .. وشياطين الإنس أمرهم معروف ومشهود لنا في هذه الأرض، ونماذجهم ونماذج عدائهم لكل نبيّ، وللحق الذي معه، وللمؤمنين به معروفة يمكن أن يراها الناس في كل زمان!
فأمّا الجن فهم غيب من غيب الله، لا نعرف عنه إلا ما يخبرنا به مَن عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو .. ومن ناحية مبدأ وجود خلائق أخرى في هذا الكون غير الإنسان وغير الأنواع والأجناس المعروفة في الأرض من الأحياء .. نقول من ناحية المبدأ نحن نؤمن بقول الله عنها، ونصدق بخبره في الحدود التي
(١) مسلم: ٤ - الصلاة (٥١٠)، والطيالسي (٤٥٣)، وأحمد: ٥: ١٤٩، ١٥١، ١٥٥، ١٥٨، ١٦٠، ١٦١، ١٦٤، والدرامي (١٤٢١)، وأبو داود (٧٠٢)، والترمذي (٣٣٨)، والنسائي: ٢: ١٦٣، والكبرى (٧٣٧)، وابن خزيمة (٨٠٦، ٨٣٠، ٨٣١)، وأبو عوانة: ٢: ٤٧، والطحاوي: ١: ٤٥٨، وابن حبان (٢٣٨٥)، والطبراني: الكبير (١٦٣٥، ١٦٣٦)، والصغير (١٩٥، ٥٠٥)، وابن ماجه (٩٥٢، ٣٢١٠).