للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا إنه العطاء العميم الذي لا يعطيه إلا الله: {وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨)}

ويطالعنا قوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٩٧) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (١٩٨)} (آل عمران)!

وهنا نبصر التفاتة واقعيّة إلى الفتنة المستكنّة في المتاع المتاح في هذه الأرض للكفّار والعصاة المعادين لمنهج الله (١) .. التفاتة لإعطاء هذا المنهج وزنه الصحيح، وقيمته الصحيحة، كي لا تكون فتنة لأصحابه، ثم لا تكون فتنة للمؤمنين، الذين يعانون ما يعانون، من أذى وإخراج من الديار، وقتل وقتال!

وقبل ذلك نبصر تكاليف العقيدة في النفس والمال، كما نبصر طبيعة الأرض التي يقوم عليها، وطبيعة الطريق وما فيه من عوائق وأشواك، وضرورة مغالبة العوائق، وتكسير الأشواك، وتمهيد التربة للنبتة الطيّبة، والتمكين لها في الأرض، أيًّا كانت التضحيات، وأيًّا كانت العقبات: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (١٩٥)} (آل عمران)!

وقد كانت هذه صورة الداعين المخاطبين بهذا القرآن أوّل مرَّة .. الذين هاجروا من مكّة، وأخرجوا من ديارهم، في سبيل العقيدة، وأوذوا في سبيل الله، لا في أيّ غاية سواء، وقاتلوا وقُتلوا .. ولكنها صورة أصحاب هذه


(١) السابق: ١: ٥٤٩ بتصرف

<<  <  ج: ص:  >  >>